مرة أخرى لم يكذِّب العدو الصهيوني قناعاتنا والحقائق التاريخية بأنه العدو الأول والأخطر والأكثر وحشية بالنسبة للعرب والمسلمين، فها هو الجيش الصهيوني يشن من جديد عدواناً عسكرياً وحشياً ضد أبناء فلسطين في قطاع غزة مما يؤدي لسقوط عشرات الشهداء ومئات الجرحى وتدمير المنازل والمدارس والمؤسسات، وبالتوازن قام هذا العدو بقتل الفتيان وتعذيبهم في الضفة الغربية والقدس واعتقال المئات من أبناء فلسطين.

العدوان على غزة (تموز 2014) جاء عشية الذكرى السنوية الثامنة للحرب على لبنان (تموز 2006) والتي استمرت 33 يوماً، وأدت لسقوط أكثر من 1200 شهيد وآلاف الجرحى وتدمير قرى وأحياء كاملة في مختلف المناطق اللبنانية، لكن هذه الحرب انتهت بأهم انتصار حققته المقاومة الإسلامية في لبنان والتي نجحت بمنع العدو الصهيوني من تحقيق أهدافه السياسية والعسكرية وفرضت عليه معادلات جديدة من خلال صمود المقاومين والشعب اللبناني والقدرة العسكرية المتميزة.

واليوم في غزة نجح المقاومون في فرض معادلات جديدة من خلال إطلاق الصواريخ على كل المدن والعديد من المراكز المهمة الاستراتيجية (مفاعل ديمونا، مطار بن غوريون،قواعد عسكرية)، مما جعل كل الصهاينة يعيشون الخوف والرعب من صواريخ المقاومة.

ومن غير الواضع إلى متى ستطول هذه الحرب وما هي نتائجها، لكن الشيء المؤكد أن شعب فلسطين في غزة قادر على الصمود وأن المقاومين يواجهون الجيش الصهيوني بكل الإمكانيات والقدرات المتاحة وببسالة كبيرة.

لقد جاء هذا العدوان الصهيوني الجديد في ظروف سياسية وتاريخية خطيرة، إذ أن الدول العربية تعيش أوضاعاً صعبة في ظل التطورات في العراق وسوريا ومصر، وخصوصاً بعد إعلان ما يسمى "الخلافة الإسلامية من قبل داعش"، وتهديد الأكراد بالانفصال عن العراق والمخاوف من تحول الصراع في المنطقة إلى حرب مذهبية شاملة، كما أن الوضع الدولي يعيش حالة من عدم الاستقرار والانشغال بالعديد من الملفات، وبعد فشل عملية التسوية وتوقف المفاوضات.

ولقد راهن العدو الصهيوني على أن الظروف العربية والإقليمية والدولية ستساعده على شن "حرب سهلة" على قطاع غزة وأن قوى المقاومة لن تكون قادرة على المواجهة بعد كل التطورات التي حصلت خلال السنوات الثلاثة الماضية والتي أدت إلى تخلخل في محور المقاومة بسبب التطورات السورية.

لكن المفاجأة الكبرى كانت في قدرة قوى المقاومة في غزة على الرد بقسوة على العدوان الصهيوني ووصول صواريخ المقاومة إلى كل أنحاء الكيان الصهيوني.

ويبدو أن الحرب لا تزال في بدايتها، وإن كانت الخلاصة الأولى لها أن قضية فلسطين عادت لتكون الحدث الأول على الصعد العربية والإسلامية والدولية، وأن العدو الصهيوني عاد ليذكرنا أنه العدو الأساسي لهذه الأمة، وإن أمامنا فرصة حقيقة من أجل إعادة دراسة واقعنا والبحث عن القضايا المشتركة التي تجمعنا بدل الاستغراق في الصراعات المذهبية والطائفية والعرقية.