حضرت الازمة السورية الى الواجهة مجددا في الايام الاخيرة بعدما سرقت التطورات الدرامية في العراق على وقع سيطرة تنظيم داعش على مدن عراقية وانتفاضة السنة او الاكراد على حكم نوري المالكي، كل الاضواء الاقليمية والدولية خلال ما يقارب الشهرين، وذلك من خلال اعلان الامين العام للامم المتحدة بان كي مون تعيين موفد جديد للمنظمة الدولية الى سوريا هو ستيفان دو ميستورا ليحل محل الاخضر الابرهيمي الذي قدم استقالته رسميا في نهاية ايار الماضي. ورافق هذا الاعلان سجل حافل وغني للموفد المعين في الازمات الدولية من افغانستان الى العراق فلبنان واماكن اخرى، على غرار ما رافق السجل نفسه من الخبرات الطويلة لسلفيه في التوسط من اجل حل الازمة السورية كوفي انان والاخضر الابرهيمي، لكن من دون ان يساعدهما الحظ في السعي الى ايجاد حل للحرب في سوريا المستمرة منذ اكثر من ثلاث سنوات. لكن دوميستورا لا يتسلم مهماته كمبعوث دولي وعربي كما كانت الحال مع سلفيه بل كمبعوث دولي فحسب بحيث جرى الفصل بينهما من خلال تعيين نائب له مصري الجنسية، ما يسمح له بهامش اكبر نسبيا ويعطيه ورقة قوة نسبيا لدى النظام السوري الرافض اي علاقة للجامعة العربية او دولها بمهمته رسميا، وهو حظي من حيث المبدأ ايضا بموافقة النظام السوري والمعارضة وجميع الدول المعنية اقليميا ودوليا نتيجة التشاور المسبق حول اسمه.

ومع ان مسألة اختيار الشخصية المناسبة والمقبولة من الافرقاء السوريين المعنيين مباشرة كما من الافرقاء الاقليميين والدوليين هي مسألة حساسة ودقيقة الى حد كبير في حالات مماثلة، فان ما لا يقل اهمية ايضا خصوصا في سياق الازمة السورية التي استهلكت حتى الآن وسيطين دوليين من دون ان تتيح لهما احراز اي نجاح هو ما يتصل بماهية الدور الذي سيضطلع به دوميستورا. وهل سيضطر المبعوث الجديد الى المراوحة في جهود ضائعة في ظل عدم نضوج ظروف الحل ام ان تعيينه هو من اجل رفع المجتمع الدولي عن كاهله عبء مسؤولية تجاهل الازمة السورية في ظل العجز عن التوافق واستمرار الانقسامات في مجلس الامن او من اجل المساعدة على تهيئة الظروف ومواكبة الازمة حتى اوان توافر الحل او توفير المخارج او الاطار الدولي له؟
والقدرة على الاجابة عن هذا التساؤل مهمة بالنسبة الى مصادر ديبلوماسية. ذلك ان التطورات التي حصلت في مناطق عدة من العالم، وفي مقدمها اوكرانيا، ساهمت في عز جهود الابرهيمي لدفع الامور قدما في مؤتمر جنيف 2 وبعده في التأثير سلبا وفي شكل كبير في قدرة الولايات المتحدة وروسيا على التعاون بفاعلية في الملف السوري علما ان مواقفها كانت متباعدة اصلا في تفسير بيان جنيف 1. وقبيل الاعلان عن تعيين دوميستورا باسابيع، برزت تطورات في العراق يعتقد مراقبون ديبلوماسيون كثر انها اثرت وتؤثر في قدرة كل من المملكة العربية السعودية وايران على التعاون بفاعلية في الملف السوري ايضا في ضوء اتساع شقة الخلاف اكثر مما كانت عليه في موضوع الازمة السورية والصراع في المنطقة، فيما التسوية السياسية في سوريا مستحيلة ليس فقط من دون مشاركة كل من الولايات المتحدة وروسيا بل وفي شكل خاص من دون مشاركة دول المنطقة وفي مقدمها ايران والسعودية. لذلك يبدو السؤال اي دور يمكن ان يضطلع به دوميستورا مشروعا ومبررا في هذا السياق خصوصا متى اخذت في الاعتبار من جهة بيانات الترحيب التي اعلنتها الدول الكبرى ومن جهة اخرى الخلاصات التي انتهى اليها الابرهيمي بعد فشل جنيف 2. فالدول المؤثرة جميعها من الولايات المتحدة الى روسيا وفرنسا والمملكة المتحدة اصدرت بيانات او اعلنت مواقف ترحب بتعيين دوميستورا وتعلن استعدادها للتعاون معه. النظام السوري لم يصدر موقفا ترحيبا علما ان ذلك لا يشكل دليلا على استعداد للتعاون ام لا فيما المعارضة سارعت الى الترحيب. وكان ابرز المواقف لوزارة الخارجية الاميركية التي رحبت باستعداد المبعوث الدولي الجديد لمتابعة المهمة في محاولة انهاء العذاب والعنف المتماديين في داخل سوريا وتأسيس طريق من اجل حل سياسي انتقالي متناسب مع مبادىء بيان جنيف، كما شجعته على البناء على العمل المهم لسلفه... في ما يفهم انه خريطة الطريق التي تأمل الولايات المتحدة ان يواصلها المبعوث الدولي فيما يستمر الخلاف الدولي على تفسير مضمون البيان. وفيما بنى الاخضر الابرهيمي من جهته على مهمة سلفه وانتقل من بيان جنيف 1 الذي اعده كوفي انان كاساس للحل الى مؤتمر جنيف 2 الذي نظمه الابرهيمي وفشل، فهو قدم قبيل اعلان استقالته الى كل من الامين العام للامم المتحدة ومجلس الامن تصورا من 7 نقاط للتوصل الى حل سياسي في سوريا تضمن تطبيق القرار 2139 المعني بايصال المساعدات الانسانية والذي لم ينجح مجلس الامن في تطبيقه حتى الآن ثم خفض العنف ووقفه وتشكيل هيئة تنفيذية تؤدي الى الانتقال الى سوريا جديدة وتنظم حوارا وطنيا وتجري مراجعة للدستور وتنظم انتخابات على اساسه الى جانب انهاء تدفق السلاح.
تقول مصادر ديبلوماسية انها تتمنى النجاح لدوميستورا وتتطلع الى ما سيعدّه من خطط من دون ان تستهين بالظروف الصعبة او الضخمة لمهمته خصوصا لتوفير العناصر للانطلاق اولا فالنجاح ثانيا.