لم يهرع وزير الخارجية الاميركي جون كيري الى اسرائيل على خلفية الحرب التي تجددت بين اسرائيل والفلسطينيين كما لم يوفد احدا على وجه السرعة حتى الان من اجل العمل على وقف للنار بين الجانبين علما ان الجانب المواجه لاسرائيل هو حماس التي لا تزال مصنفة ارهابية في لوائح الاميركيين ولو انها باتت مشاركة في حكومة واحدة مع السلطة الفلسطينية ما قد لا يشجع على تولي وساطة لانهاء ما يحصل ما لم تتدهور الامور مهددة بانزلاقها الى خطورة اكبر. يتوجه كيري في المقابل الى كابول التي تنتظره غدا الجمعة في محاولة لاحتواء الازمة التي نشأت على خلفية الانتخابات الرئاسية الافغانية التي ادت في نتائجها الاولية الى فوز اشرف غاني احمدزاي ورفض المرشح الخصم عبدالله عبدالله هذه النتائج معلنا نفسه فائزا بالرئاسة الافغانية. افغانستان في السياق الحالي والظروف الاقليمية والدولية اهم بالنسبة الى الولايات المتحدة مما يجري بين الفلسطينيين والاسرائيليين استنادا الى جملة اعتبارات لعل اهمها ضرورة استدراك واشنطن عدم انزلاق الازمة السياسية في افغانستان الى ما قد يشبه العراق خصوصا ان ما حصل في العراق اخيرا لجهة انهيار الجيش العراقي الذي ساهمت الولايات المتحدة في تدريبه وتأهيله وفراره امام قوى متطرفة شكل انذارا مبكرا لواشنطن. فهي تولت ايضا تدريب الجيش الافغاني وهناك جملة من الاحتمالات التي يمكن ان تذهب اليها افغانستان بعد انسحاب القوات الاميركية منها على غرار انسحابها من العراق وفي ظل هجمات لطالبان قبل اسابيع قليلة على مراكز للشرطة اضافة الى ازمة سياسية عبر الانتخابات كشفت على نحو مبكر ابعادا خطيرة لما قد يتجه اليه الوضع في افغانستان متى نفذت الولايات المتحدة انسحابا لقواتها منه علما ان هذا الانسحاب لن يكتمل نهائيا قبل نهاية ولاية الرئيس باراك اوباما. وقد فتحت الازمة الجديدة في العراق انظار واشنطن على احتمالات جديدة في ضوء انخراطها في افغانستان تماما كما كان في العراق وعزمها على الانسحاب منها كما فعلت في العراق.

ما يجري بين الفلسطينيين واسرائيل من تصعيد اعقب خطف ثلاثة شبان اسرائيليين ثم فتى فلسطينيا احرق وقتل، تخشى مصادر سياسية الا يتعدى اعتبارات مباشرة تتصل بكل من رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو خصوصا مع اعلان وزير الخارجية افيغدور ليبرمان فك التحالف معه وعلى خلفية هز صدقية حماس في ان تكون شريكة صادقة تلتزم شروط حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية، كما تتصل بحركة حماس التي من مصلحتها الا تظهر تهاونها او تراجعها عن اهدافها في ردع اسرائيل حتى لو كانت في حكومة واحدة مع السلطة الفلسطينية، وان تكن الاثمان البشرية باهظة خصوصا في الجانب الفلسطيني كما في كل مرة نظرا لوحشية القصف الذي تعتمده اسرائيل للمناطق السكنية الفلسطينية. فيما لا يعتقد ان هناك دولا اقليمية متماسكة معنية بانشغال اضافي على جبهة اسرائيل والفلسطينيين راهنا في ظل انشغالات اكثر خطورة تفرض نفسها كاولويات خصوصا في ظل جمود في المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية من دون اي تقدم مشجع وفي ظل عدم وجود اي افق لتحريكها في المدى المنظور.
وتخشى هذه المصادر أن يكون ثمة الكثير مما يدفع اثمانه الفلسطينيون في هذه المرحلة وهو ما قد يشجع اسرائيل على ابداء المزيد من العنف العسكري والامني. اذ لم يمض بعد اسبوعان على استقالة المبعوث الاميركي الى الشرق الاوسط مارتن انديك من مهامه في 27 حزيران الماضي بذريعة عدم وجود رغبة لدى الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني للتقدم في ما يترجم نفض الولايات المتحدة يديها في المدى المنظور من اي وهم في حصول تقدم بين الطرفين. وعلى رغم ان هذه الاستقالة لم تضف جديدا على عدم جدوى وعدم فاعلية الجهود الاميركية للسلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين في هذه المرحلة، فإن وهم الاهتمام والردع كان موجودا الى حد ما. وترك الامور فالتة من اجل ان تتوازن بين الاسرائيليين والفلسطينيين يتسم بالخطورة التي اتسمت بها تطورات الاسبوعين الماضيين. وتاليا تعول الولايات المتحدة على ضبط الوضع وعدم تدهوره على القوى الاقليمية كالاردن ومصر فيما توجه رسائل سياسية واعلامية لكلا الطرفين بضبط النفس. لا يحتاج الوضع الاقليمي ولا كذلك المجتمع الدولي الى جبهة جديدة بين الفلسطينيين والاسرائيليين فيما تتفجر الاوضاع في عدد من دول المنطقة. لكن التطورات الجديدة اثارت قلقا كبيرا نظرا الى ما يمكن ان تستبطنه من انزلاق خطير الى تصعيد اكبر علما انه من غير المحتمل منطقيا ومن حيث المبدأ في رأي المصادر السياسية ان تكون هناك مصلحة اسرائيلية في اعادة تصويب الاهتمام لدى الشعوب اولدى الحكومات العربية اليها في ظل حروب عربية واقليمية داخلية مريحة جدا الى اسرائيل. لكن من سوء حظ الفلسطينيين ايضا ان العنف الذي يستخدم داخل الدول العربية ومن الحكومات في هذه الدول ضد مواطنيهم شكل جواز مرور اضافيا لاسرائيل للعبور الى عنف مواز او مماثل من دون ان تخشى ردود فعل سياسية جدية او رادعة علما انها لم تحتج يوما الى جواز مرور لكنها يمكن ان تتحصن اكثر وراء مخاوف من تحول فلسطينيين الى تأييد تنظيمات عربية متطرفة وتعتبر ارهابية.