رغم غياب قادة محاورها عن الواجهة، بسبب تواجدهم "مكرمين" في سجن رومية، عادت مدنية طرابلس إلى الواجهة من جديد من بوابة الأحداث الأمنية أيضاً، مع العلم أنّ محاور القتال التقليدية فيها بين جبل محسن وباب التبانة لم تشهد أيّ مواجهة مسلحة، منذ بدء تطبيق الخطة الأمنية التي حظيت برعاية مختلف الأفرقاء السياسيين في عاصمة الشمال.
لا يمرّ يومٌ في الفيحاء من دون أن تأتي الأخبار عن إشكال مسلح أو عثور على قنبلة ورمي أخرى على بعض المواطنين، كان أبرزها تلك التي إستهدفت مقهى في منطقة باب التبانة قبل أيام قليلة، ما عزز مخاوف أبنائها من عودة الأمور إلى سابق عهدها.
في هذا السياق، تشير مصادر متابعة إلى أن الأحداث الأمنية في المدينة لم تتوقف في أي يوم، حتى لو لم تكن تظهر إلى الإعلام بالشكل المطلوب، لكنها تلفت إلى أن بعض الجماعات شعرت بأنها من الممكن أن تعود إلى الواجهة من جديد بعد إضطراب الأوضاع في الأراضي العراقية، لا سيما أنها تتماهى إلى حد بعيد مع تلك التي حققت إنتصارات عسكرية هناك، وتؤكد أن خطابها لا يختلف كثيراً عنها، لا بل هي لم تمتنع عن تأييدها لها في جميع مواقفها.
وتلفت هذه المصادر، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن الأوضاع في المدينة كما تأثرت بالأحداث  السورية تتأثر اليوم بالأحداث العراقية، وكأن هناك من هو مصرٌّ على إبقائها ساحة مفتوحة لتبادل الرسائل الأمنية والسياسية العابرة للحدود، رغم التلطي خلف بعض المطالب الداعية إلى الإفراج عن الموقوفين نتيجة مشاركتهم في المواجهات المسلحة في وقت سابق، وتؤكد أن هذه ليست الطريقة التي تحل فيها الأمور خصوصاً أن هذا الملف متابع من قبل المرجعيات السياسية والدينية في المدينة، وهناك معلومات عن قرب موعد إطلاق سراح بعضهم.
وترى المصادر نفسها أن هناك تقصيراً من قبل القوى السياسية في طرابلس، التي لم تعمل على إحتواء الوضع بعد البدء بتطبيق الخطة الأمنية التي أعادت الهدوء الى محاور القتال التقليدية، لا بل هي إنطلقت إلى مرحلة جديدة تسيطر عليها المنافسة في ما بينها، وتلفت إلى أن البيان الصادر عن البلدية بشأن المفطرين لم يكن في محلّه، خصوصاً أنه كان بمثابة غطاء لهذه الجماعات كي تفرض رأيها على المواطنين، وتضع عملية إستهداف المقاهي في هذا الإطار، لا سيما أن هناك معلومات عن أن أصحابها تلقوا تحذيرات من قبل بعض الشخصيات، وتكشف أن هناك حالة إمتعاض كبيرة بسببه.
وبالرغم من الصورة السوداوية هذه، تؤكد مصادر سياسية من داخل المدينة أنّ الأوضاع ستبقى تحت السيطرة، وتشير إلى أنّ ليس من مصلحة أحد عودة الأمور إلى سابق عهدها، خصوصاً أنّ أبناء طرابس عانوا كثيراً من الأحداث التي عاشوها على مدى سنوات طويلة، وتشدّد على أن الموضوع لن يتعدى بعض الإعتصامات التضامنية التي تحصل من حين إلى آخر، سواء كانت على وقع الأحداث القائمة في العراق أو من أجل المطالبة بالإفراج عن السجناء من أبناء المدينة.
وتلفت المصادر نفسها، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن التحركات التي تقوم بها هذه الجماعات باتت أضعف من السابق، لكنها تعتبر أن المخاوف مصدرها من يعمل على زعزعة الإستقرار عبر مسلسل القنابل اليومي، وتؤكد أن مسؤولية القوى الأمنية العمل على اعتقال من يقف خلفه بأسرع وقت ممكن، خصوصاً أنها مدعومة من أغلب أبناء طرابلس الراغبين بالحفاظ على إستقرارهم النسبي، إلا أن ذلك لا يمنعها من التحذير من الأيام المقبلة خصوصاً إذا ما إستمر الوضع على ما هو عليه حالياً.
في المحصلة، الخطة الأمنية التي تنفذ في عاصمة الشمال لا تكفي للحفاظ على الإستقرار فيها، خصوصاً إذا لم يستمرّ الأفرقاء السياسيون على مواقفهم الداعمة لها، لا سيما أنهم لا يستطيعون اليوم تحميل الحزب "العربي الديمقراطي" مسؤولية توتير الأوضاع بالمدينة كما كان يحصل في السابق.