لو كان مستشارو معظم المسؤولين في الدولة اللبنانية ينقلون لهم ما يقوله المواطنون عنهم صراحة، لأعلنوا إستقالتهم فوراً دون أي تردد أو تأخير، بحال كانوا مهتمين بذلك، ولربما فكروا في الهجرة بعيداً عن البلاد لكي لا يواجهوا نظراتهم في المستقبل، بل لو كان لدى بعضهم الجرأة لكان أقدم على قتل نفسه، كما فعل أدولف هتلر عندما حاصرته قوات الحلفاء في العاصمة الألمانية برلين بعد الهزيمة في الحرب العالمية الثانية.
من يراقب مواقع التواصل الإجتماعي، أو أي مكان يستطيع فيه اللبناني التعبير عن رأيه بتجرد، يدرك جيداً أن ما يسمى بـ"القيادات" السياسية تعيش في مكان منفصل كلياً عن الواقع الفعلي، يمنعها باتخاذ القرار المناسب، للدفاع عن كرامة دولة أسقطتها الجماعات الإرهابية في جرود عرسال.
لم تبدأ القضية مع غزوة عرسال، التي نفذها تنظيما جبهة "النصرة" و"داعش"، على خلفية إعتقال الإرهابي أحمد جمعة من قبل الأجهزة الأمنية، لكنها كانت الشرارة التي أشعلتها، فمنذ اللحظة الأولى التي اكتفت الدولة بلعب دور المتفرّج على مشهد الإعتدءات على رجالها من قبل المسلحين في أكثر من منطقة، كانت تعلن إستقالتها من مسؤولياتها، وتقول لمواطنيها "أنا عاجزة عن الدفاع عنكم"، وبالتالي جهزت الأرضية لسقوطها المدوي الذي بدأت معالمه بالظهور في هذه المرحلة.
يستطيع رئيس مجلس الوزراء تمام سلام، ومعه كل أعضاء حكومته التي تتمثل فيها أغلب القوى السياسية، التهديد ليلاً نهاراً باستخدام أوراق قوة لديها، لكن الأكيد أنها لن تستخدمها في أي لحظة، فهي إن كانت لم تستخدمها ضد تنظيمات إرهابية أعلنت الحرب على ما تبقى من الدولة، فمتى ستقوم بذلك؟
عندما تقدم هذه الجماعات على ذبح أحد العسكريين بدم بارد، للمرة الثانية خلال فترة قصيرة، يسود الصمت الرسمي أرجاء البلد، لمدة لا تقل عن 24 ساعة، لا يمكن الحديث عن دولة كاملة السيادة على أراضيها، والحال نفسه عندما تهدد هذه الدولة يومياً من دون أن تقدم على أي خطوة عمليّة، وكذلك عندما يفتح المجال لمفاوضين يتولون الإتصال بأهالي العسكريين المخطوفين من أجل توجيههم في تحركات قد تؤدي إلى إشعال فتنة مذهبية في أي ساعة.
الخوف والتردد وعدم المسؤولية، يقودون البلاد إلى الفتنة التي يحذر منها هؤلاء المسؤولين، من يرى في نفسه قائداً عليه أن يدرك جيداً اللحظة التي يجب إتخاذ القرار المناسب فيها، فلو قطعت اليد التي إمتدت إلى المؤسسة العسكرية منذ الحادثة الأولى، وأُخرس اللسان الذي تناولها بالسوء رغماً عن حصانته المزعومة، لما وصلنا إلى يوم نرى فيه جنودنا يذبحون أمام عيون أهاليهم في حين يخرج من هو في موقع المسؤولية ليخبرنا أنه يجري "المفاوضات" مع دول "تمون" على الإرهابيين لكنه يرفض "المقايضة"، فأي "مفاوضة" من الممكن القبول بها على دماء العسكريين؟
عندما تدخل جماعات مسلحة إلى أرض دولة ما تكون قد أعلنت الحرب عليها، وعندما تذبح جنودها تكون قد إنتقلت إلى مرحلة تصعيدية من هذه الحرب، وعندها لا يمكن أن تبقى هذه الدولة الفاشلة ومسؤولوها المتلكئون في مرحلة ضبط النفس والبحث عن المخارج السلمية، فهل يستفيق من لا يزال يعيش في مكان بعيد عن جرود عرسال؟
من سَمِع كلام والد الشهيد عباس مدلج وإعلانه الإستعداد ليكون مع باقي أبنائه على الجبهة الأمامية، ومن سمع كلام والد الشهيد علي السيد قبله والذي دعا لضبط النفس والتعالي على الجراح، أدرك ما هو القرار الوحيد المطلوب، وأيقن طريقة التعامل التي تنفع مع الإرهابيين.