إذا وصلت «داعش» إلى فلسطين، فستكون القضية الفلسطينية قد أوشكت على الدخول في التصفية النهائية. ولذلك، عندما اهتزَّ لبنان «داعشيّاً»، اتّجهت الأنظار إلى عين الحلوة، واستنفرت «فتح» و»حماس» والآخرون لإقفال البوّابة. فبالنسبة إلى «داعش»، «الطريق إلى فلسطين تمرّ في عين الحلوة»!

تمكّنت «داعش» من تثبيت أقدامها في بعض العراق وسوريا، وبدأت اللعب بأمن لبنان والأردن، فما هو الأثر المحتمَل على الداخل الفلسطيني؟
الغموض الذي يكتنف تركيبة «داعش» الإستخبارية المعقّدة يثير الريبة. ويتداول البعض أنّ التنظيم ربّما يحظى بدعم تركيا وإيران وفقاً للمصالح، وتموِّله مجموعات غامضة من الولايات المتحدة ودول عربية خليجية (قطر في بعض المراحل).

لكنّ المؤكّد أنّ أهدافه تلتقي مع مشروع إسرائيل لتفتيت المنطقة دينياً وعِرقياً، وإغراقها في حروب طويلة. ومن هنا شكوك البعض: ما الذي يمنع من أن تخرق إسرائيل «داعش» ببعض رؤوسها، وسط هذا الغموض الإستخباري، كما يحصل في حالات مماثلة؟

وما يجري في لبنان، والأخبار الواردة من الأردن عن حراك «داعشيّ»، تثير الهواجس من أنّ «داعش» تقترب خطوةً أخرى من الداخل الفلسطيني. فلبنان والأردن قريبان جغرافيّاً من هذا الداخل. وهما يختزنان جزءاً كبيراً من ديموغرافيا الشتات.

ومع أنّ الواقع الفلسطيني في لبنان متفلِّت أمنيّاً، وله سلبياته، فإنّ تأثيره على التركيبة اللبنانية ليس كارثياً بسبب توازنها الطائفي - المذهبي. وعلى عكس ذلك، إنّ الواقع الفلسطيني في الأردن، على رغم كونه مضبوطاً أمنيّاً، قد تكون أضراره فادحة على الكيان الأردني، خصوصاً أنّ إسرائيل تنظر تقليدياً إلى السكّان في شرق الأردن وغربه على أنّهما شعب واحد، وأنّ الأردن هو «الوطن الطبيعي» للفلسطينيّين.

ويصعب على «داعش» أن تكتسح منطقة لبنانية على الطريقة التي نفَّذتها في الموصل، لا طرابلس ولا عرسال ولا سواهما، على الأقلّ في المدى المنظور. لكنّ «إستقلال» «داعش» بمخيّم فلسطيني، هي والجماعات الجهادية التكفيرية المشابهة، ممكن.

ولذلك، هرَع الجميع في لبنان والسلطة الفلسطينية و»حماس» وسائر المنظّمات المسؤولة نحو مخيّم عين الحلوة. فهو عاصمة الشتات الفلسطيني، وأيّ انقلاب فيه يترك تداعياته المباشرة، ليس في لبنان فحسب، بل في الداخل الفلسطيني.

وإذا حصل السيّئ في عين الحلوة، فالجيش اللبناني سيكون مضطرّاً فوراً إلى تكرار سيناريو نهر البارد 2007، بتغطيةٍ فلسطينية على المستوى المرجعي. ففي البارد أيضاً، كان تنظيم «فتح الإسلام»، شقيق «داعش»، سبباً في الحرب.

وإذا تمكّنت «داعش» وأخواتُها من أخذ عين الحلوة أسيرةً لها، فهذا يعني أنّها امتلكَت ورقة فلسطينية ستضغط بها على «فتح» و»حماس» معاً، ما يستنهض المجموعات الموالية لها، خصوصاً في غزّة ورفح. وربّما يقود ذلك إلى وقوع مناطق من السلطة الفلسطينية في أيديها، في اللحظة التي يحاول فيها الفلسطينيون ترميمَ التصدّعات القائمة.

وهناك من يتوقّع أن تشجّع إسرائيل نموّ «الداعشية» الفلسطينية لأنّها ستؤدّي إلى إنهيار مفهوم الوطنية الفلسطينية ووحدة التراب الفلسطيني بتكريس التجزئة بين الضفّة وغزّة ووأد «حقّ العودة».

فحركة «حماس»، التي راهنَ الإسرائيليون على أنّ وجودَها قد يكون عامل انشقاق فلسطيني، أثبتَت وعيَها في مواجهة أيّ خيار انتحاريّ. أمّا التنظيمات «الغامضة»، مثيلات «داعش»، فهي كفيلة بتحقيق الهدف الإسرائيلي، إذا أُتيح لها الانتصار في مكان ما.

وهكذا، فإنّ استحقاقَ عين الحلوة حاسمٌ لبنانياً، لكنّه مصيريّ فلسطينيّاً. والنجاح اللبناني - الفلسطيني في إنجاز خطّة أمنية حقيقيّة وثابتة تُنهي الفوضى المستشرية في المخيّم، ليس من شأنه إنقاذ بقعة صيدا - عبرا - عين الحلوة، ولبنان عموماً، من جرعة مُرَّة جديدة فقط، بل إنقاذ الداخل الفلسطيني من الكارثة.

ومع أنّ الحلَّ سَهلٌ، وخُلاصتُه دخول السلطة اللبنانية في كامل هيبتها ووقارها إلى المخيَّم، وحماية أهله كضيوف على لبنان، فالسؤال المشروع هو: مِن أين تأتي السلطة اللبنانية بالهيبة، ومن أين لها الوقار؟