في أيلول المقبل، تقف إسرائيل أمام استحقاق بدء الاستخراج من حقل «كاريش»، وهي تدرك أنّ هذا التحدّي خطر جداً إذا لم يسبقه اتفاق للترسيم وتقاسم الغاز مع لبنان. ولذلك، يتحدث مسؤولوها جدّياً عن «أيام قتالية» على الحدود برّاً وبحراً وجوّاً. فهل يتحسّب هؤلاء لتداعيات التفجير العسكري المحتمل على منصّات استخراج الغاز، وعلى الداخل الإسرائيلي؟

يسود الاعتقاد في بعض الأوساط بأنّ استقدام إسرائيل لمنصّة الغاز العائمة من ماليزيا إلى «كاريش»، في الربيع الفائت، لم يحصل لو لم يكن مسؤولوها قد اتخذوا قراراً ببدء استخراج الغاز، بعد تأجيل لأشهر عدة.

 

فهذه العملية جاءت نتيجة اتفاق كلفته عشرات ملايين الدولارات بين إسرائيل والشركة اليونانية «إنيرجين»، وعلى الأرجح، لا تغامر إسرائيل بهذه العملية لو لم تضمن أنّ الاستخراج سيبدأ في الموعد الجديد المحدَّد، أو بتأخير «معقول»، أي يمكن احتسابه بأيام قليلة. ويعتقد البعض أنّ الشركة ما كانت تُقدم على الخطوة لو لم تحصل على ضماناتٍ بأنّ منصّتها ستكون في وضعٍ آمن.

 

وترجمة هذا الكلام، في المغزى السياسي، هي أنّ الولايات المتحدة كانت طوال الفترة السابقة تُجري اتصالات بعيدة عن الأضواء بين الطرفين المتنازعين، وأنّ نتائج هذه الاتصالات كانت إيجابية، أي أنّ الجانب اللبناني حصل على أجوبة مُرضيةٍ، ما سمح لواشنطن بتطمين الإسرائيليين إلى أنّ في مقدورهم بدء الإجراءات الميدانية لعملية الاستخراج.

 

لكن هذا الأمر يستتبع السؤال الآتي: إذا كان أركان السلطة، المعنيون بملف الترسيم، قد أعطوا الوسيط الأميركي ضوءاً أخضر، فهل يعني ذلك أنّهم انطلقوا من تصوُّرٍ متكاملٍ لاتفاق ترسيم يحظى بموافقة إسرائيل ويحصِّل حقوق لبنان في آن معاً؟ وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا يتمّ الإعلان فوراً عن هذا الاتفاق ويجري إقراره بلا تأخير، فيبدأ لبنان استثمار ثرواته الغازية كما إسرائيل، وفي آن واحد؟ وهل إنّ ما يجري الآن هو وضع اللمسات الأخيرة على هذا الاتفاق قبل إعلانه في موعد قريب جداً، كما يشاع؟

 

أما إذا كان الكلام على اتفاق ضمني مسبق في غير محلِّه الصحيح، فيمكن السؤال: إذاً، لماذا سارعت إسرائيل إلى استقدام منصّة الحفر إلى «كاريش»، وحدَّدت أيلول موعداً لبدء العمل، بعدما أرجأت ذلك مراراً منذ آذار الفائت؟ وإذا كان الأمر يتعلق خصوصاً بموقف رافض من جانب «حزب الله»، فهذا يستتبع السؤال: ألم يتمّ إشراك «الحزب» في المشاورات التمهيدية، مباشرة أو عبر أركان السلطة؟ وهل هو أبدى موافقته على المخارج المطروحة أم لا؟

 

وإذا لم تكن القوى اللبنانية كلها موافقة على هذه الطروحات، فلماذا غامرت إسرائيل باستقدام المنصّة العائمة؟ وهل هي مستعدة لمغامرة عسكرية في بقعة حدودية شديدة الحساسية بين حقول الغاز والنفط؟

 

عندما أرسل «الحزب» مسيَّراته في اتجاه «كاريش»، أوحى بأنّ الاتفاق ليس ناضجاً بعد، وأنّ الإسرائيليين «يتشاطرون». وتالياً، أنّ اللعبة ستكون مفتوحة على المغامرات إذا لم يتنازل الإسرائيليون.

 

وفي الواقع، يدرك الإسرائيليون أنّ «الحزب» يمتلك ترسانة صاروخية قادرة على الدخول في هذه اللعبة عند الحاجة والتأثير بقوة في مجرياتها. وقبل يومين، اعترف هؤلاء بأنّ عدم التوصل إلى اتفاق سيقود الجميع إلى ما سمّوه «أياماً قتالية».

 

وهذا التعبير يحمل في طياته الكثير من المغازي. فهو يؤكّد أنّ الإسرائيليين يتعاطون بجدّية مع تلويح «الحزب» بالحرب، إذا حاولوا البدء في استخراج الغاز من «كاريش» من دون اتفاق مع لبنان يمنحه حقوقه ويسمح له أيضاً باستثمار ثرواته. لكن، التعبير الإسرائيلي يوحي أيضاً بأنّ حدود المواجهة العسكرية المحتملة ستقتصر على «أيام»، وأنّها لن تتحوّل حرباً شاملة كما يخشى البعض.

 

وسط هذه الألغاز، صورة الأسابيع الآتية ليست واضحة. ولكن، على الأرجح، لا أحد يرغب في دخول الحرب. وعلى العكس، هاجس الإسرائيليين حالياً هو فرض حضورهم كمنصّة للغاز من الشرق الأوسط إلى أوروبا، واستغلال حاجة الأوروبيين إلى تعويض النقص في إمدادات الغاز الروسي على أبواب الشتاء. وهذا الطموح لا يناسبه إطلاقاً دخول الحرب.

 

وأما لبنان، بقواه السياسية كلها، فهو متحمس للغاز أكثر من أي يوم مضى، لأنّه يبدو الباب الوحيد للصعود من قعر الهاوية.

 

ولكن، يبقى هناك احتمال واحد: في ميزان الربح والخسارة، هل يفكر الإسرائيليون باستخدام عامل الترهيب لدفع لبنان إلى الرضوخ، حيث فشلت الضغوط الديبلوماسية؟ وهل يلجأون إلى «الأيام القتالية» كأداة ضغط، ضمن خطة مدروسة لفرض الخيارات عليه؟

 

وهل صحيح ما يقوله بعض المحللين الفلسطينيين، من أنّ الحرب مع حركة «الجهاد الإسلامي» في غزة مقصودة لاستباق حرب محتملة على الجبهة اللبنانية؟

 

في هذه الحال، ستكون الأكلاف مريعة أينما كان، ولا أحد يضمن العواقب.