هل يمكن ان يكون لبنان نتيجة التطورات الدرامية في العراق ضحية صفقة قد يدفع ثمنها من سيادته واستقلال قراره، كما حصل لدى تلزيم الولايات المتحدة لبنان لسوريا على مرحلتين في بداية الحرب الاهلية، ثم في بداية تطبيق الطائف لكن لمصلحة ايران هذه المرة، ام انه يمكن ان يستفيد بصفقة تفرض فيها المملكة السعودية عامل توازن؟

السؤال اثاره بعض الديبلوماسيين اللبنانيين المتابعين من زاوية ان الكلام على تقسيم واقعي في العراق، وفق ما ورد في في سياق المخاوف من تداعيات هذا التقسيم على المنطقة وعلى لبنان وكياناته الطائفية والمذهبية، من غير المحتمل ان يؤدي الى تقسيم مشرعن يعترف به دوليا. غالبية من السياسيين جاهرت، كما ورد في هذه الزاوية، بمخاوف اكبر على الاقليات وفي مقدمهم الطوائف المسيحية في ظل انقسامات مذهبية يمكن ان تهدد بتغيير وجه لبنان خصوصا اذا استمر الفراغ في سدة الرئاسة الاولى. لكن في المقابل يبدي سياسيون آخرون مخاوف من نوع مختلف، اقله في المدى المنظور مع مشاركة في القلق على المستقبل في المدى الابعد. يعتبر هؤلاء ان انفجار الوضع في العراق على خلفيات مذهبية خطيرة ومع تحذير الاكراد من ان عدم توافر فرصة تسوية سياسية متوازنة تعيد للعراق وحدته يدفع بهم قدما نحو الاعتراف بدولتهم لا يعني بالنسبة الى هؤلاء ان التقسيم بالمعنى المتعارف عليه للكلمة قد يكون سهلا او ممكنا، على رغم ان زعماء لبنانيين كالنائب وليد جنبلاط بدا محذرا بقوة من تداعيات مشابهة على لبنان. ففي رأي هؤلاء ان احد ابرز مقومات توافر التقسيم هو في الحصول على موافقة دول الجوار واعتراف العالم به، وهو ما لا يعتقد انه احتمال وارد اقله في المدى المنظور بالنسبة الى دول جوار العراق من تركيا التي لا يناسبها دولة كردية مستقلة على رغم انفتاح ابواب التعاون على مصراعيه بين تركيا وكردستان العراقية، كما ان المسألة خطيرة جدا بالنسبة الى ايران وكذلك الى العراق وثمة من يقول الى سوريا ايضا ولو ان لا يعني ان لها كلمة راهنا في المنطقة كما كان لها سابقا. وتاليا فان كل اللاعبين في جوار العراق ضد اي شكل من اشكال التقسيم وفي مقدمهم تركيا، باعتبار ان نشوء دولة سنية في العراق سيبرر قيام دولة كردية ولن يكون ذلك سهلا نتيجة الاستقطاب الذي يمكن ان تقيمه هذه الدولة افتراضيا للاكراد في تركيا وسوريا. وعلى رغم سيطرة ابناء الطائفة السنية على مناطق واسعة في العراق راهنا، من غير المحتمل الا تحصل ضغوط من اجل اعادة لملمة العراق وتنظيم اموره وان الضغط على نوري المالكي في هذا الاطار مفيد جدا في ضوء ما يحصل.
ما يتابعه اصحاب هذا الرأي ومن بينهم وزير الخارجية الأسبق فارس بويز هو احتمال حصول تقارب اميركي ايراني اكبر على وقع التطورات العراقية نتيجة تلاقي مصالح في مواجهة تفكك العراق. ثمة اقتناع متنام على خلفية انطلاق المفاوضات الثنائية بين الولايات المتحدة وايران في الموضوع العراقي، وفق ما تم الاقرار بذلك على هامش المفاوضات المتعددة لمجموعة الخمسة زائد واحد مع ايران حول ملفها النووي والكباش بين المواقف الاميركية والايرانية المعلنة بالنسبة الى ايران ان اعادة لملمة الوضع العراقي ستفرض تعاونا بين الجانبين الاميركي والايراني. ويعتقد البعض على هذا الصعيد ان ايران تخوض معركة تكريس نفوذها في المنطقة والاعتراف بهذا النفوذ الاقليمي تزامنا مع الانتهاء من المفاوضات على ملفها النووي وكثمن مقابل للتنازل الذي تقدمه على صعيد هذا الملف. واذا كان التفاهم محتملا، وفق ما يرجح بين الولايات المتحدة وايران على نحو كامل فمن غير المستبعد ان تبلغ الصفقة دول المنطقة حيث لايران نفوذ تود تكريسه بما في ذلك لبنان. وعلى رغم ان التفاهم الاميركي مع ايران قد يكون مفيدا من حيث المبدأ فان ثمة مخاوف من خطورة تتسم بها اي صفقة محتملة انطلاقا من الاقتناع الراسخ بان لا مصلحة استراتيجية للولايات المتحدة في لبنان باستثناء ما يتعلق بامن اسرائيل. واذا استطاعت واشنطن ان تحصل من ايران على تسوية تتعلق على سبيل المثال بازالة الصواريخ لدى "حزب الله" المهددة لاسرائيل وتقديم ضمانات على عدم تهديد امنها، فمن غير المستبعد ان تحصل ايران على صفقة تدير من خلالها الوضع في لبنان وتكون اولى ثمارها ايصال رئيس من نوع المالكي في العراق وبشار الاسد في سوريا يكون مريحا لطهران وللحزب في لبنان، على ما جرى بالنسبة الى صفقة ازالة الاسلحة الكيميائية السورية التي ازالت التهديد لاسرائيل في مقابل استمرار بشار الاسد وعدم طرح تنحيه اولوية كما في العامين الاولين لانطلاق الثورة السورية ضده.
والكلام على صفقة مماثلة هو بين طرفين اي الاميركيين والايرانيين، في حين ان ما يحصل في العراق تتداخل فيه عوامل ودول اقليمية ايضا بمصالح متضاربة الى حد التساؤل عن دور دول الخليج العربي التي استفزها حتى الآن حوار اميركي ايراني حول الملف النووي الايراني من دون اطلاعها عليه من الولايات المتحدة. وهو ما يثير تساؤلات اذا كانت اي صفقة اميركية ايرانية تتناول تمدد نفوذ ايران في المنطقة سعيا الى استقرارها يمكن ان تحصل من دون دور او مشاركة للدول العربية في المنطقة.