تثير الأحداث الجارية على الساحة العراقية وعودة مسلسل التفجيرات الى لبنان موجة من المخاوف في الاوساط الرسمية والسياسية من تأخر إنجاز الاستحقاق الرئاسي أكثر فأكثر، ما يطيل «إقامة» الشغور في سدة رئاسة الجمهورية.

لكنّ هذه الاوساط، على مخاوفها، تنقسم في توقعاتها لهذا الاستحقاق، ففريق منها، بينه مرجعيات كبرى، يتشاءم ويؤكد أنّ ما يجري في العراق دفع بعض الافرقاء الداخليين مجدداً الى الرهان على المتغيرات الاقليمية معتقداً أنها ستأتي في مصلحته بما يمكّنه من الاتيان برئيس من صفوفه، وهذا الرهان «غير المنطقي» قد يعوق كل المحاولات الجارية بعيداً من الاضواء لتأمين التوافق على رئيس يكون على مسافة واحدة من الجميع.

ويخشى هذا الفريق من أن يتأخر هذا الامر حتى نهاية السنة، إن لم يكن الى ما بعدها، خصوصاً اذا تفاقمت الازمة العراقية. ويرى أنّ ما يجري خطير وينبغي أن يشكل دافعاً قوياً للأفرقاء السياسيين الى انتخاب الرئيس العتيد بما يكمل عقد المؤسسات الدستورية ويفعّل عملها لتتمكن من تحصين لبنان ضدّ المضاعفات الاقليمية.

لكنّ الفريق الآخر من القوى السياسية يعتبر أنّ ما يجري في العراق له تداعياته الداخلية بالدرجة الاولى وهدفه فرض حال من التوازن في السلطة عبر تأليف حكومة وحدة وطنية، وكذلك الضغط على إيران لتقديم تنازلات على مستوى نفوذها في الاقليم مقابل «الاتفاق الشامل» مع الدول الغربية في شأن ملفها النووي.

ويقول بعض اركان هذا الفريق إنّ التفجيرات التي تجدّدت في لبنان ليست امتداداً أو من مضاعفات المشهد العراقي المستجد، وإنما ناجمة من أنّ «القاعدة» وأخواتها عادت الى «مسرح العمليات» الذي غابت عنه لأشهر، ولكنّ هذه العودة تبدو «عودة ضعفاء غير مؤهلين فنّياً لتنفيذ تفجيرات من شأنها التغيير في الواقع محلياً واقليمياً، بدليل أنّ التفجيرات التي حصلت في ضهر البيدر والطيونة والروشة إنما حصلت «تحت الصدمة» والمباغتة الامنية ولم تصب الاهداف التي حُدِّدت لها، فبدا وكأنّ في الامر «خلايا نائمة» أرادت الاستفاقة والعودة الى أعمالها الارهابية والتخريبية.

ويبدي هذا الفريق تفاؤلاً باحتمال انتخابِ رئيسٍ جديد للجمهورية قريباً، مستدلاً الى ذلك بالتأكيد أنه تمّ تكليف الفرنسيين رسمَ «خريطة طريق توصل الى إنجاز هذا الاستحقاق. وقيل إنّ باريس بدأت تطلب من الأفرقاء اللبنانيين أن يتواصلوا في ما بينهم للاتفاق على رئيس يقبله الجميع.

كذلك يستدلّ هذا الفريق في تفاؤله الى الآتي:

اولاً، إنّ رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط الذي ذهب الى باريس في الاسبوع الماضي ليفاتح الرئيس سعد الحريري بـ»أسماء وسطية» لرئاسة الجمهورية كان يحمل معه «عدم ممانعة شيعية» في هذه المفاتحة.

ثانياً، إنّ الادارة الفرنسية استدعت سفيرها في لبنان باتريس باولي للتشاور.

ثالثاً، الحريري التقى فجأة وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، وسيلتقي الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند قريباً.

رابعاً، وزير الخارجية الاميركي جون كيري الذي يشارك في اجتماعٍ لحلف شمال الاطلسي (الناتو) لمناقشة الازمتين الأوكرانية والعراقية، سيعرِّج على باريس لاجراء محادثات مع المسؤولين فيها يتوقع أن تتناول في جانب منها الوضع اللبناني.

خامساً، هناك بداية انسحاب لدى البعض من الالتزام مع رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب ميشال عون في شأن ترشيحه لرئاسة الجمهورية، بعدما بات واضحاً أنّ مفاوضاته مع الحريري لم تحقق ايّ نتائج، بدليل المواقف الأخيرة التي صدرت عنهما.

سادساً، البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بدأ يضغط كثيراً لإنجاز الاستحقاق الرئاسي، وقد طلب من سفراء الدول الخمس الكبرى، العمل لوضع حدٍّ للأفرقاء الداخليين المتعنّتين الذين يمنعون انتخاب رئيس جديد.

وإذ يعتقد هذا الفريق المتفائل أنّ كل هذه العوامل تؤكد أنّ انتخاب رئس جمهورية جديد لن يكون بعيداً، فإن بعض العاملين على الخط الرئاسي يؤكدون أنّ هذا الرئيس سيُنتَخَب في الفترة الممتدة بين 15 ايلول و15 تشرين الاول المقبلين، على أبعد تقدير.