بات مستقبل العراق بعد الأحداث الخطيرة التي شهدها ويشهدها موضع تكهنات متعدّدة، فالبعض يعتقد أنه ذاهبٌ الى التقسيم، وأنّ ما طرحه يوماً نائب الرئيس الأميركي جو بايدن ولم يكن نائباً للرئيس بعد حول تقسيم العراق قد دخل حيز التنفيذ، خصوصاً أنّ سنوات الاحتلال الطويلة قد هيّأت الأجواء لانقساماتٍ مذهبية وطائفية وعرقية.

ويعتقد المطلعون على الشأن العراقي أنّ الدستور الذي وضعه الحاكم الاميركي الموقت للعراق بعد احتلاله بول بريمير هو دستور مصمم لتقسيم بلاد الرافدين من خلال إقرار مبدأ الفدرالية التي بدأت اولاً مع الاكراد لتنتهي فيما بعد مع السنّة والشيعة.

ويذكر هؤلاء ايضاً أنه حين انطلقت أصوات من جنوب العراق، خصوصاً من البصرة، تدعو الى تشكيل إقليمٍ مستقل فيه بعد فترة وجيزة على الاحتلال الاميركي عام 2003، تصدّت لها يومها مرجعيات شيعية داخل العراق وخارجه، فكانت خطابات مندِّدة بتقسيم بلاد ما بين النهرين من رئيس مجلس النواب نبيه بري في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر التي أُقيمت في مدينة بيروت الرياضية في 31 آب عام 2004، وقد اتخذ الموقف نفسه آنذاك نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الامير قبلان. ويذكر اللبنانيون ايضاً خطابات عدة للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ندّدت برياح التقسيم الآتية من العراق.

أصحاب وجهة النظر هذه، وبعضهم ليس مؤيداً بالطبع للتقسيم، يعتقدون أنّ المشروع الاميركي ـ الاسرائيلي يريد أن يتخذ من تقسيم العراق منطلقاً لتقسيم المنطقة بأسرها، حيث تتحدث تقارير اميركية عدة عن وجود مشاريع لتقسيم الوطن العربي الى ما يقارب 36 دويلة على أساس عرقي أو طائفي أو مذهبي. لكنّ معارضي وجهة النظر هذه يعتقدون أنّ لا تقسيم في العراق مهما اشتدت النزاعات والانقسامات. ويذكّرون بأنّ ما حصل في لبنان على امتداد 15 عاماً لم يستطع أن يتحوّل تقسيماً رسمياً.

ويضيف هؤلاء أنّ تقسيم العراق مرفوض لدى أهل العراق مهما بدا من تباينات في ما بينهم اليوم، فمَن يعرف العراق جيداً يعرف وحدة المجتمع العراقي، فكبريات العشائر العراقية موزعة بين الشمال والجنوب، فمَن سكن منها الشمال كان سنّياً ومَن سكن الجنوب كان شيعياً، وبالتالي فإنّ كثيراً من العراقيين هم أولاد عمومة ولا يستسيغوا ما يفرّقهم.

ويذكر العراقيون كيف أنّ ضاري جدّ الشيخ حارث الضاري حين قُدِّمَ للمحاكمة أمام القاضي البريطاني بتهمة قتل الضابط البريطاني الشهير لجمن، سأله القاضي: مَن الذي أمرك بقتل الضابط البريطاني؟ فأجاب: مَن امرني هو المرجع الأكبر الإمام علي الشيرازي الحائري» (الذي اصدر يومها فتوى بالقتال ضدّ البريطانيين).

ويذكر العراقيون أيضاً أنّ الشيرازي نفسه حين جاء اليه لجمن قبل مقتله ليسلّمه مفاتيح المقامات في النجف وكربلاء التي كانت في عهدة سادة من السنّة وقال له: «هذه المفاتيح تعود اليكم بعد أن صادرها السنّة لمئات السنين»، فرفض الشيرازي تسلّمها، وقال للجمن: «أعِدها لمَن حافظ على الأمانة مئات السنين».

وفي العهود التي تلت ثورة العشرين لم يكن أحد في العراق يعرف مَن هو الشيعي ومَن هو السنّي، فلكل عراقي خال شيعي وعم سنّي والعكس صحيح.

وعلى مستوى الاحزاب السياسية في العراق كانت الاحزاب الاستقلالية الوطنية والديموقراطية تضم شخصيات من كل طوائف العراق ومناطقه، بما فيها الاكراد انفسهم الذين كان من بينهم أكثر من رئيس وزراء وأكثر من وزير للدفاع وللداخلية ولوزارات سيادية أخرى.

اما على المستوى الإقليمي فإنّ دول الجوار العراقي العربية والاقليمية ستقاوم أيّ مشروع لتقسيم العراق لأنه سينتقل اليها وكلها دول ذات تنوع إثني وطائفي ومذهبي. ويقول أصحاب وجهة النظر هذه إنّ الاكراد يمتلكون اليوم فرصةً لإعلان دولتهم، لكنهم لا يفعلون، والسبب بسيط، وهو أنهم يدركون أنّ هذه الدولة لو أُعلنت ستصطدم حتماً بإيران وتركيا بكل ما لديهما من قدرة وقوة.

كذلك يرد هؤلاء على مَن يعتقدون أنّ العراق ذاهب الى التقسيم بفعل إرادة اميركية ـ اسرائيلية، بأنّ هؤلاء يتجاهلون أنّ نفوذ واشنطن وتل ابيب لم يعد كما كان يومَ احتلال العراق، وأنّ الاطراف المحلية والاقليمية لا كلمة أساسية لها في مستقبل العراق.

أما الاحزاب العقائدية فهي أحزاب عابرة ايضاً للطوائف والمذاهب، فالشيوعيون مثلاً كانوا موجودين في كل مناطق العراق، وقيادة حزب البعث لدى تسلمه السلطة للمرة الاولى عام 1963 كان جميع اعضائها من الشيعة، فيما كان المكتب العسكري الذي خطط للانقلاب على الزعيم عبد الكريم قاسم كله من السنّة.

وحتى في الوضع الراهن يؤكد العالمون بأوضاع العراق أنّ بين مؤيدي رئيس الوزراء نوري المالكي علماء وعشائر من السنّة فيما قوى شيعية مهمة كالسيد مقتدى الصدر وإبن عمه جعفر محمد باقر الصدر تطالب بحكومة وحدة وطنية لا يرأسها المالكي.

ويضيف هؤلاء أنّ مَن يعرف العراق جيداً يعرف ايضاً أنّ لا مكان فيه لا لـ»داعش» ولا للتقسيم الطائفي والمذهبي، بل إنّ مؤتمراً وطنياً عراقياً شاملاً لكل مكوّنات العراق على غرار مؤتمر الطائف اللبناني قادر على إنهاء كل المظاهر التقسيمية والجماعات التكفيرية والميليشيات المذهبية.

ألم تنطلق الدعوة الى «طائف عراقي ـ عراقي» من السيد نصرالله في 11 شباط 2003، أي قبل اسابيع من احتلال العراق؟ وهل يتجدّد العمل اليوم من أجل هذا الطائف؟