منير الربيع

 

 

يعود التوصيف الدقيق للحالة اللبنانية "وين ما حبلت بتخلّف بلبنان" إلى الواجهة مجدداً. ما إن بدأت الأحداث في العراق وسيطرة "داعش" مع فصائل معارضة لنظام

المالكي على الموصل وتكريت، وبعد أن  اتخذت الأحداث في بلاد الرافدين منحى دراماتيكياً، دبّ اللبنانيون النواح، وبدأ يتنامى الخوف من تمدد نشاط داعش من العراق إلى لبنان بعد سورية، تصريحات، تقارير أمنية، كتابات، كلّها تتحدّث عن الهواجس الأمنية. في جلسة الحكومة الأخيرة طغى هذا الموضوع على مناقشات اخرى، تحدث الرئيس تمام سلام عن فرضية حصول أي تداعيات أمنية لما يحصل حولنا، مقترحاً صيغة للبحث في كيفية الوقاية، القلق المتسلّل إلى الحكومة، هناك من يؤمن به وهناك من لا يعيره أي اهتمام.

 

بين الأمن والسياسة، حاول البعض إشاعة أجواء من الخوف، إيحاءات بأن الطريق أمام داعش مفتوحة، تقارير عن بيئة حاضنة قد تتحرك منها خلايا "داعشية" نائمة، هو السيناريو البوليسي نفسه، ما إن تحدث أي خضّة أمنية في الجوار، يرى البعض مجالاً للإستثمار فيها، يبدأ التهويل الكلامي فيما الأنظار تتجه نحو المكاسب السياسية. في جلسة الحكومة السابقة تطرّق بعض وزراء قوى الثامن من آذار إلى الخطر الإرهابي الداهم، حصل نقاش لبناني حول التداعيات العراقية، شدد سلام على أن الإجراءات الأمنية المتخذة مطمئنة، مبرّراً القلق، لكن لا داعي للتهويل.

 

بينما يدور الوزراء في حلقة مفرغة حول كيفية إدارة الحكومة لصلاحيات الشغور، برزت معضلة تشكّل مادة نقاش دستورية في ما بينهم، إذ طرح سلام جلسة لمجلس الدفاع الأعلى للبحث أمنياً في التداعيات العراقية والمنطقة، إنطلاقاً من قلقه على الوضع الأمني، وخوفاً من إنتقال الشرارة إلى لبنان. هنا حصل اختلاف في وجهات النظر حول دستورية انعقاد مجلس الدفاع الاعلى في ظلّ الشغور الرئاسي، إلا أن سلام شدّد على ضرورة الحفاظ على وحدة الصف والتعاون الأمني لحماية الداخل من تأثيرات الخارج، وقال: لتكن الدعوة استثنائية لإجتماع يحضره جميع ممثلي الأجهزة الأمنية والعسكرية. وبحسب معلومات "المدن" فإن أياً من الوزراء لم يعترض على هذا الطرح لكن لم يحدد موعد هذه الجلسة.

 

مصادر وزارية مقرّبة من رئيس الحكومة تشير لـ"المدن" إلى أنه قلق من ما يحصل في المنطقة، لكنّه يبدي ارتياحه للإجراءات الأمنية المتّخذة، لا سيما بعد نجاح الخطّة الأمنية في الشمال والبقاع، وتضيف المصادر بأن سلام يحرص في كل اتصالاته مع الأفرقاء على إستثمار الجوّ الإيجابي والتوافقي الذي أدى إلى تشكيل الحكومة، ويطالبهم بضرورة سحب هذه الإيجابية على الوضع الأمني. لكن في النقاش حول دستورية إنعقاد جلسة المجلس الأعلى للدفاع تقول مصادر سلام لـ"المدن" إن رئيس الحكومة هو نائب رئيس المجلس الأعلى للدفاع وهو إن دعا الى جلسة له فيدعو بصفة نائباً للرئيس وليس بصفته موكلاً بصلاحيات رئيس الجمهورية، وتشير المصادر إلى أن الجلسة ستعقد فور حصول التوافق على ذلك.

 

في المعطيات الأمنية، تعتبر مصادر عسكرية بارزة لـ"المدن" أن هناك قلقا كبيرا تجاه ما يحصل في العراق وهناك تخوّف من إنتقال الصراع إلى الساحة اللبنانية، وتشير المصادر إلى أن قائد الجيش جان قهوجي عرض تصوّره لأخذ الحيطة والحذر مما يجري، وتقول: "بحسب المعلومات الأمنية فإن الخوف يأتي من مكانين، الأول هو مخيّمات النازحين السوريين خصوصاً في عرسال، أي تتحرّك بعض المجموعات المتطرفة وتقوم بأعمال أمنية تستهدف مواقع عسكرية أو حزبية، والمداهمات التي حصلت في جرود عرسال قبل أيّام تأتي في سياق وقائي، حيث ألقي القبض على أشخاص مشتبه بإنتمائهم لتنظيمات إرهابية". أما الخاصرة الرخوة الثانية بحسب المصادر الأمنية فهي المخيّمات الفلسطينية، ويؤكد مصدر واسع الإطلاع لـ"المدن" أن الجيش بصدد إتخاذ إجراءات أمنية واسعة ومشددة حول المخيمات لا سيما برج البراجنة وعين الحلوة.

 

إذاً هو السيناريو ذاته، يكرّر نفسه بنفسه، على لسان بعض المهوّلين ومريدي الإستفادة من الأوضاع، المناطق ذاتها: عرسال، مخيم برج البراجنة، مخيّم عين الحلوة. المتغيّر الوحيد هو التداعيات العراقية بدلاً من السورية، سيمفونية أمنية تجد من يصفّق لها، والتهويل من إخراج بعض الذين لا يستفيدون بغير الأجواء المتوترة.

المدن