إنقسم الإيرانيون في النظرة الى زيارة امير الكويت الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح الاخيرة لطهران، فبعضهم وجد فيها إحدى الدلائل الدامغة على «تصدُّع» مجلس التعاون الخليجي، خصوصاً انّ الرجل قد اطلق موقفاً لافتاً وصفَ فيه مرشد الثورة الاسلامية الايرانية السيد علي خامنئي بأنه «مرشد المنطقة» وليس مرشد ايران فقط.

والبعض الآخر اعتبر انّ امير الكويت جمع في هذه الزيارة وساطة بين الرياض وطهران الى العلاقات بين الكويت وايران.
لكنّ فريقاً ثالثاً رأى انّ هذه الزيارة هي وليدة كل التحولات التي تشهدها المنطقة، ومنها تصدّع مجلس التعاون الخليجي والأزمات التي تعيشها هذه الدولة او تلك، وانّ أمير الكويت جاء الى طهران للبحث مع المسؤولين الايرانيين في مخرج ما للخصومة القائمة بين ايران والمملكة العربية السعودية، ما يعني انّ هذه المبادرة الكويتية لم تكن في منأى عن الرغبة السعودية غير المعلنة بالانفتاح على ايران، والتي تقابلها رغبة ايرانية مماثلة عبّرت عنها طهران دوماً، خصوصاً بعد انتخاب الشيخ حسن روحاني رئيساً للجمهورية صيف العام 2013.

وقد يكون العنصر الاهم الذي دفع امير الكويت لزيارة ايران هو أنه في ضوء درايته وحنكته وتمرّسه لعشرات السنين في اللعبة السياسية
والديبلوماسية في المنطقة والعالم، أدرك عمق التحولات التي حصلت، ما جعل هاجسه المركزي هو البحث عن الأمن الاستراتيجي لبلاده، خصوصاً في ظلّ تصدع مجلس التعاون. وهو ما يفرض، انطلاقاً من حسابات المصالح الكبرى وحكم الجوار الجيوستراتيجي، ان تفتح الكويت مساراً خاصاً واستثنائياً في العلاقة مع ايران.

وفي هذا السياق يكشف سياسي إيراني عن فحوى حوار دار على مسمعه قبل سنوات بين احد الخبراء العرب في الشأن الايراني واحد المستشارين القريبين من مركز القرار في الكويت، إذ سأل المستشار ذلك الخبير عن مستقبل منزلة الكويت في الامن الاقليمي وسط هذا الاضطراب الحاصل، فأجابه الخبير بكلمات ـ إطار ذات دلالة، قائلاً: «قد تكون الكويت هي الدولة الخليجية الوحيدة التي يكتب لها الاستقرار، والمحصّنة ضد المؤثرات السلبية بسبب موقع ايران الاستراتيجي في منطقة الخليج وتوظيف هذا الموقع في خلق نظام اقليمي مستقر من جهة، وشعور الايرانيين بأنّ الكويت هي نقطة الجاذبية الاساسية في توليد هذا النظام الاقليمي المستقر من جهة ثانية».

واستطرد الخبير العربي قائلاً: «انّ حزام الامان لحاضر الكويت ومستقبلها ناتج من ذلك اللقاء الطبيعي بينها وبين ايران». ويبدو ان زيارة امير الكويت الأخيرة لطهران كشفت دلالة هذا الكلام بعد مرور 4 سنوات عليه.

وتأتي الكويت في العلاقة مع إيران بعد سلطنة عمان حيث أنّ لديها نظرة الى طهران مختلفة عن بقية دول مجلس التعاون، فهي تجاور ايران والعراق، وتتميّز بجاليتين كبيرتين ايرانية وعراقية، ما يفرض عليها اقامة علاقة وطيدة مع البلدين، خصوصاً بعد سقوط نظام صدام حسين الذي فعل ما فعله بها من غزو واجتياح.

ويرى الايرانيون انّ الكويت، العضو في مجلس التعاون الخليجي، تنظر الى امنها القومي من زاوية مختلفة عن الرياض، فهي في الامن والمصالح مع البصرة وليست مع الانبار، ولموقعها الجغرافي دور مهم في هذا المجال.

والى ذلك يتحدث الايرانيون عن علاقة متينة تربط بين بلادهم وسلطنة عمان التي تنتهج معهم سياسة متميزة عن بقية دول الخليج. ففي الماضي كانت لديها علاقة استراتيجية مع ايران ما قبل الثورة، والآن لديها العلاقة نفسها مع نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية عكستها زيارة السلطان قابوس الاخيرة لطهران وتوسّطه الفعّال بينها وبين الغرب في شأن الملف النووي الايراني، ما وضع هذا الملف على سكة الاتفاق.

امّا دولة الامارات العربية المتحدة فقد تكون متأثرة بسياسة مجلس التعاون الخليجي، لكنها ترتبط بعلاقة اقتصادية كبيرة جداً مع ايران، إذ يسجّل، حسب الاحصاءات الايرانية، ألف رحلة جوية شهرياً بين البلدين، عدا عن حركة البواخر النَشطة التي تنقل البضائع بين الموانىء الايرانية والاماراتية.

لكنّ الاعلام يُظهر وجود فتور بين البلدين، خصوصاً عندما يُثار موضوع الجزر الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وابو موسى) المتنازع على ملكيتها بين الجانبين. لكن على رغم كل ذلك يؤكد الايرانيون أنّ المسؤولين الاماراتيين يبدون دوماً حرصاً على ان تكون العلاقات جيدة بينهم وبين ايران.

لكن ماذا عن العلاقة مع المملكة العربية السعودية؟

يقول الايرانيون انه لطالما دعوا الى قيام افضل العلاقات وأمتنها مع السعودية، متجاوزين كل ما حصل من خصومة وخلافات منذ انتصار الثورة في إيران وحتى الأمس، وانهم ما زالوا على هذا الموقف، ولكنهم وبعد تأكيد الرياض اخيراً انّ وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف مرحّب به في اي وقت يزور السعودية، يؤكدون انّ ظريف لم يتلق بعد ايّ دعوة رسمية من الجانب السعودي، وان دعوتها ايّاه الى اجتماع وزراء خارجية منظّمة التعاون الاسلامي التي ستنعقد في جدة لا تعتبر دعوة مباشرة لزيارتها وفق برنامج يتصِل بالبحث في مستقبل العلاقة بين البلدين. اذاً، لو انّ هذا الاجتماع كان مقرراً عقده في طهران لكانت وجّهت الدعوة الى الجانب السعودي وغيره الى حضوره.

ولذلك يقول الايرانيون إن الرياض تمر في مرحلة دقيقة على مستوى تحديد خياراتها الاقليمية لأسباب عدة، منها:

أولاً- انّ الرياض ما تزال تملك مساحة من الرهان على تغيير جدي في الموقف الغربي عموماً والأميركي خصوصاً من ايران، فضلاً عن الرهان على حصول تحولات ميدانية عسكرية في سوريا لمصلحة المعارضة تمكّنها من تعديل ميزان القوى في اي تسوية مقبلة.

لكن هذه المساحة بدأت تضيق مع تقادم الوقت وقدرة النظام السوري على التمدد الى مناطق واسعة كانت تحت سيطرة المعارضة. ويضاف الى ذلك فشل المعارضة في توحيد صفوفها ووقف الحرب بين فصائلها.

ثانياً- عدم تبلور الخيارت الكاملة إزاء الازمة السورية بعد لدى القيادة السعودية.

ثالثاً- حسابات الربح والخسارة من أي تسوية مقبلة قد لا يكون للسعودية دور مركزي فيها.

رابعاً- تفاجؤ السعوديين بالانهيارات التي اصابت المحور الداعم للمعارضة السورية وعدم تمكّنه من هضم الانجازات التي حققها الفريق الآخر والشروط المطلوبة للتكيّف معها.

وهذه الأسباب الاربعة تجد ما يدلّ عليها من خلال شغور موقع الرئاسة اللبنانية وانحصار باب الخروج من هذه الأزمة (وربما للمرة الاولى في تاريخ لبنان) بين ايران والسعودية، الامر الذي يعطي عنواناً آخر للزمن اللبناني الجديد لحلّ أزمته إقليمياً بالشعار المألوف: «ألف ـ سين» بدلاً من الـ «سين- سين» الشهيرة.