لا تزال أسئلة تُطرَح حول الأسباب التي أدّت لنجاح تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" بالسيطرة على أجزاء كبيرة من العراق بسرعة قياسية، من دون أيّ مقاومة تذكر من قِبل القوات العراقية المسلحة، لا سيما أن المنطقة كانت تتحضر في ظل المفاوضات الإيرانية الأميركية حول الملف النووي لإطلاق حملة واسعة لمحاربة التنظيمات الإرهابية، التي برزت على ضوء الأحداث السورية المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات، لكن في حقيقة الأمر ما حصل لن يكون إلا مقدمة لإنطلاق شرارة هذه الحرب المنتظرة منذ أشهر طويلة.
من حيث المبدأ، التقدم الذي أحرزه التنظيم في المناطق العراقية ما كان ليحصل لولا تخاذل بعض الجهات التي أرادت توجيه رسالة واضحة إلى رئيس الوزراء نوري المالكي، بحسب ما تؤكد مصادر مطلعة، في ضوء الصراع القائم على السلطة بين المرجعيات المختلفة بعد نجاح المالكي في حسم معركة الإنتخابات التشريعية لصالحه.
ولا تنفي هذه المصادر، عبر "النشرة"، أن يكون وراء ما يحصل بعض الجهات الإقليمية التي أرادت توجيه رسائل عنيفة واضحة بغرض تغيير موازين القوى الجديدة على الساحتين العراقية والسورية، والتي أصبحت تميل بشكل لافت أيضاً لصالح القوى المتحالفة مع إيران، بالإضافة إلى إمكانية سعي التنظيم من تلقاء نفسه إلى التوسع بغرض تخفيف الضغط الذي يتعرض له في سوريا بعد أن أصبح يخوض معارك متعددة الجهات مع النظام السوري وبعض قوى المعارضة المسلحة.
وعلى الرغم من المخاوف التي تعبّر عنها بعض الجهات في هذه المرحلة، خصوصاً أن نجاح "داعش" في السيطرة على المنطقة الواقعة في شرق سوريا ووسط العراق يعني تهديده الأمن القومي لهاتين الدولتين ووحدتهما، تؤكد المصادر أنه لن يكون بوسع هذا التنظيم التمدد أكثر، لا سيما أن البيئة المحيطة بـ"الدولة" التي يسعى إلى إعلانها، لن تكون صديقة بأي شكل من الأشكال، وتوضح أنه لن يستطيع التوسع باتجاه المناطق الجنوبية في العراق التي تتشكل من أغلبية شيعية ستكون مقاومة له، بالإضافة إلى أنه سيكون محاصراً من قبل الأكراد الراغبين بالدفاع عن "دولتهم" أيضاً لجهة الشمال، وبالتالي هو سيكون على موعد مع معارك جديدة، ستفتح عليه من أكثر من جهة، ولن يكون قادراً على خوضها بالنجاح الذي يتصوره البعض.
وترى المصادر نفسها أن هذا الوضع سيدفع كلاً من العراق وسوريا والأكراد إلى التعاون أمنياً وعسكرياً بشكل لافت من أجل القضاء على هذه الظاهرة الخطيرة، التي تهدد أيضاً بإشعال حرب مذهبية في المنطقة لا أحد يعرف كيف تبدأ ولا كيف تنتهي، وتشير إلى أن كلاً من الجمهورية الإسلامية في إيران والولايات المتحدة الأميركية لن تكونا على "الحياد" في هذه المعركة، حيث ستعتبر الأولى أن لديها مصلحة قومية مباشرة في التدخل لمساعدة حلفائها، في حين ستسعى الثانية إلى الحفاظ على بعض المكتسبات التي حققتها في الفترة السابقة، وذلك لن يكون مطلقاً من خلال ترك "داعش" تتمدد أكثر.
وإنطلاقاً من ذلك، تشدد المصادر على أن الخطر الذي تمثله "داعش" سوف يتم التعامل معه بشكل سريع، وسيكون المقدمة التي تكرس المعادلات الجديدة التي ترسم في المنطقة، لا سيما أن خطر الجماعات الإرهابية المتطرفة كان نقطة الإلتقاء الأولى بين واشنطن وطهران، وهناك شبه إتفاق على عدم السماح لنفوذ تلك الجماعات بالتعاظم أكثر، وتشير إلى أن دول الإتحاد الأوروبي تشارك كل هذه الجهات بالمخاوف، وهي بدأت تعيد النظر بسياساتها تجاه الأزمة السورية نظراً إلى أن مصالحها تقضي بذلك، ولا تنفي إمكانية إنضمام السعودية إلى هذه الحرب، خصوصاً أنها تدرك جيداً أنها لن تكون بعيدة عن هذا الخطر في حال نجاح "داعش" بتحقيق أهدافها المعلنة رغم أن بعض الأجنحة بداخلها قد تكون داعمة للتنظيم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وهي أرادت من خلال تحريك هذه الورقة الأمنية الإستفادة منها على الصعيد السياسي عبر رفع سقفها التفاوضي أكثر، خصوصاً أن هناك من يؤكد أن السعودية لم تعد قادرة على الخروج من المأزق السوري إلا عبر فرض واقع جديد يقوم على التقسيم.
في المحصلة، تؤكد هذه المصادر أن القوى المتضررة من "داعش" ستجد نفسها، بغض النظر عما يحصل في هذه الأيام، مجبرة على التعاون في ما بينها، وسيكون النظام السوري الجهة التي سوف يلجأ إليها الجميع نظراً إلى أنه بات يمتلك خبرة واسعة في التعامل مع هذه الجماعات.