كان في إمكان النائب سليمان فرنجية الأكتفاء بإعلان تأييده للعماد ميشال عون على غرار ترحيب الرئيس بشّار الأسد بانتخابه الذي يشكّل «مصلحة للبنان وسوريا»، أو تلميح «حزب الله» إلى مواصفاته. لكن فرنجية تقصّدَ أن يعزوَ دعمَه لأسباب سياسية تتّصل بخوضِهما «معركة واحدة يتقاطعان فيها بنسبة 99 في المئة ».

لا يُفترض بالجنرال عون أن يكون معنياً بالقوى التي تدعم ترشيحه، لا بل من واجبه الطبيعي شكرهم على ثقتهم به، كما لا يستطيع أخصامه أن يعيبوا عليه هذا الدعم وتصنيفه في خانة هذا المحور أو ذاك لمجرّد أنّه تلقّى دعماً من دمشق وطهران، إنّما أن يخرج من يقول بعد اجتماع مطوّل مع الجنرال بـ»أنّنا وإيّاه في معركة واحدة» فالمسألة مختلفة تماماً.

وهذا الاختلاف يكمن في قضية جوهرية وهي أنّ لكلّ طرف ملء الحرّية بدعم من يشاء، ولكن عندما يكون دعم هذا الطرف لذاك المرشّح مرَدّه إلى خياراته الوطنية التي تجعله في صلب محور معيّن، فيعني أنّ على هذا المرشّح إمّا أن يوضح حقيقة تموضعه أو أنّه فعلاً مرشّح فريق لا توافق.

فالرئيس سعد الحرير باستطاعته أن يغضّ النظر عن المحضر الذي نشرَته «الجمهورية» عن لقاء عون مع المؤسسات المارونية والذي ظهر فيه بأنّه لم يبدّل قيد أنملة في خياراته، وغضّ النظر هذا ممكن على أساس أنّها جلسة بعيدة عن الإعلام وأنّ التسريب يمكن أن يكون محرّفاً أو مضخّماً، ولكنّه لا يستطيع أن يقف موقف غير المبالي من كلام فرنجية الذي أسقط كلّ الكلام عن «عون التوافقي»، وأعاد التأكيد على «عون الفريق».

وإذا كانت الواقعية السياسية تقتضي التسليم بصعوبة إيصال مرشّح من 14 آذار في ظلّ ميزان القوى الحالي، إلّا أنّ هذه الواقعية نفسها لا تفترض التسليم بمرشّح من 8 آذار، لأنّ ميزان القوى نفسه لا يسمح للفريق الممانع بإيصال مرشّحه إلى الرئاسة الأولى.

وإذا كان الجنرال عون أحد المرشّحين التوافقيين الذين لم يكن يمانع «المستقبل» بانتخابهم، إلّا أنّه بعد أن أعلن فرنجية ما أعلنَه لم يعُد بإمكان «المستقبل» إبقاء عون ضمن لائحة المرشّحين التوافقيين، وصار لزاماً عليه أن يحدّد طبيعة العلاقة معه والتي لا يجب أن تختلف عن علاقته مع «حزب الله» في سياق التبريد السياسي والسقف الحكومي.

وما ينطبق على الحريري ينسحب على عون الذي لم يعُد يستطيع، بعد كلام فرنجية، الكلام عن ترشيحه التوافقي، إلّا في حال عمَد إلى إعلان برنامجه الرئاسي، على غرار الكتاب البرتقالي، من أجل أن يقطع الشكّ باليقين ويجعل تأييده يتمّ على أساس برنامج واضح لا تخمينات، لأنّ وصوله من الموقع الذي حدّده فرنجية يعني انتصاراً لفريق على آخر وعن طريق التحايل السياسي، لا المعركة الواضحة المعالم التي يشكّل البرلمان الفيصل فيها.

ولكنّ السؤال الأساسي، لماذا تطوّع فرنجية للكلام عن التطابق في الخيارات الوطنية مع عون؟ وهل رئيس التيّار العوني عاجز عن التعبير عن خياراته حتى جاء من يعبّر عنه؟ وهل مواقف فرنجية جاءت بالتنسيق مع عون، واستطراداً هل تخدمه أم تضرّه؟ ولماذا في هذا التوقيت بالذات؟

وفي هذا السياق تبرز وجهات نظر عدّة، أهمّها الآتي:

أوّلاً، أن يكون محور الممانعة لمسَ بأنّ التقارب بين عون والحريري بدأ يقترب من تسميته رئيساً بدليل مواقف النائب وليد جنبلاط الذي رفض انتخابه حتى لو أدّى هذا التقارب إلى تسميته، وبالتالي قرّر هذا المحور أن يقطع الجسور بين الطرفين عن طريق إحراج الحريري في حال استمرّ بدعم مرشّح تتناقض خياراته مع خيارات فريقه السياسي. وإنْ صحّ هذا الاحتمال يكون الهدف من زيارة فرنجية لعون إسقاط توافقيته واستطراداً احتمالات وصوله إلى بعبدا.

ثانياً، أن يكون محور الممانعة توهّم بأنّ الانتخابات السورية جعلته في الموقع المنتصر الذي يدفعه إلى خوض المعركة بشكل واضح بين خيارين من دون الحاجة إلى التمويه بتوافقية مزيّفة، فجاء فرنجية بكلّ ثقة ليعلن معركة الخيارات ظنّاً منه أنّ الحريري سيسلّم بمعادلة القوّة الجديدة، علماً أنّ التطوّرات الأخيرة أظهرت أنّ حليف إيران في العراق غير قادر على بسط سيطرته ونفوذه على الأرض العراقية، خصوصاً بعد الانتفاضة السنّية، كما أنّ حليف إيران في سوريا غير قادر على التحكّم بالقرار السوري، كما أنّ حليف إيران في لبنان اضطرّ إلى تقديم رزمة تنازلات لتأليف الحكومة.

ثالثاً، أن يكون محور الممانعة قرّر أن يتخلّص من ترشيح عون والانتقال إلى مرحلة جديدة أو خطة «باء» بناءً على مؤشّرات خارجية من قبيل رغبة إيرانية بتوجيه رسالة تعاون إلى واشنطن والرياض بانتخاب رئيس لا يشكّل انتصاراً لفريق على آخر، خصوصاً أنّه تقاطعَ مع إعلان الدكتور سمير جعجع انفتاحَه على خيارات خارج 14 آذار.

رابعاً، أن يكون محور الممانعة قرّر أن يستبق أيّ تطوّرات خارجية تعيد ترجيح كفّة محور عرب الاعتدال، خصوصاً بعد الانتخابات المصرية وانهيار الوضع العراقي، وبالتالي وصول مرشّح من قوى 14 آذار، الأمر الذي جعله يندفع لحرق حظوظ عون التي تعلّق الاستحقاق من دون أفق، وذلك تمهيداً لإيصال مرشّح وسطي يضمن معه عدم رجحان كفّة 14 آذار على حسابه.

ويبقى أنّه عندما يعلن فرنجية التطابق والتكامل في الخيارات مع عون ويزيل التمايز الذي أوجده الأخير بتسمية نفسه مرشّحاً توافقياً، يعني كأنّه يطرح نفسَه مرشّحاً أصيلاً عمّا يسمّى «الخط» ومِن منزل الجنرال، إلّا أنّه بمعزل عمّا إذا كانت مواقف فرنجية من الرابية محضّرة ومقصودة أم عفوية، غير أنّ الأكيد بأنّها لم تخدم إطلاقاً عون، وساهمَت بضرب ما تبقّى من حظوظ أمام وصوله إلى بعبدا، ما يعني أنّ مشكلة الجنرال كانت وما زالت من داخل فريقه قبل أن تكون مع أخصامه.