يخشى بعض المراقبين السياسيين أن يترك لـ"التصعيد" الذي يعتمده البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في حملته السياسية والاعلامية من أجل الحض على ملء الشغور في موقع الرئاسة الاولى، ارتدادا سلبيا على بكركي تدركه الكنيسة المارونية كما سواها، ولو من دون ان يعني ذلك تراجع بكركي عن المطالبة والعمل في الوقت نفسه من أجل المسارعة في انتخاب رئيس جديد للجمهورية مع كل من يمكن أن يساهم في دفع الامور ايجابا على هذا الصعيد. ذلك أن تكبير الحجر عبر المواقف قد يؤدي وفق هؤلاء الى تكبير الخسائر في حال طالت أزمة الشغور الرئاسي من دون قدرة المرجعية المسيحية الأبرز ليس على الضغط على سائر الأفرقاء من أجل تقصير أمد التعطيل، علماً أن ثمة هوة بدأت بالاتساع بينها وبين بعض هؤلاء على خلفية الموضوع الرئاسي كما على خلفية الزيارة الأخيرة للبطريرك الى الاراضي المقدسة، بل أن يساهم ذلك في تظهير عدم قدرتها على الضغط على الأفرقاء المسيحيين وتضاؤل تأثيرها وهيبتها، ما يخلف آثاراً بالغة السلبية على مستويات عدة. والأخطر من ذلك أن يساهم هذا الانطباع في تعزيز المخاوف والاقتناعات بضعف التأثير المسيحي في القرار السياسي أكثر مما هو عليه راهناً، خصوصاً في ضوء انتظار اما مفاوضات ايران حول ملفها النووي مع الاميركيين أو نتائج مفاوضات ايران مع السعودية في حال حصول ذلك في المدى المنظور اقليمياً أو كما هي الحال بالنسبة الى بعض المرشحين انتظار أجوبة من سائر الأفرقاء غير الأفرقاء المسيحيين.

وتخشى مصادر سياسية أن تكون بكركي تضررت حتى الآن من المسار أو المقاربة التي اعتمدتها لموضوع الانتخابات من دون أن تحظى بأي نتيجة ايجابية قبل انتهاء المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس العتيد أو من خلال سعيها الى تسويق تمديد للرئيس ميشال سليمان في اللحظة الاخيرة اما للضغط من أجل انتخاب رئيس جديد أو رغبة في عدم ترك المركز شاغراً. ويعتقد في ضوء ذلك أن بكركي غدت أمام اشكالية صعبة بين أن لا تجعل من موضوع الشغور الرئاسي ديدنها شبه اليومي فتساهم كما يفعل السياسيون في التطبع والتطبيع مع واقع ان الانتخابات الرئاسية قد باتت بعيدة في انتظار استحقاقات اقليمية ودولية، وتالياً انتظار اشارة من الخارج تدفع بالافرقاء الداخليين الى الافراج عن الانتخابات، وبين تصعيد مواقفها من أجل احراج الافرقاء ودفعهم الى عدم التلكّوء، في حين ان ذلك يضعها على تماس متوتر معهم خصوصاً متى كان هؤلاء يعتبرون أن الكرة هي في الملعب المسيحي فيما أن طرفاً مسيحياً يساهم في التعطيل في انتظار موافقة على انتخاب زعيمه يرجح الا تأتي. فثمة اقتناع يغدو راسخاً مع كل اطلالة لمسؤول كبير من "حزب الله" بأن هذا الاخير يمتنع عن تسمية مرشحه للرئاسة الاولى ما يترك الباب مفتوحاً أمام أي تسوية أو توافق سيكون مرجحاً في الوقت المناسب، لكن من دون ان يتطوّع لأن يقول للمرشح الذي يفترض انه يدعمه أو يترك انطباعات أنه يفعل بوجوب الاقتناع بضرورة الاتفاق على مرشح سواه خشية خسارته، ويرغب في ان يتولى الفريق الآخر الذي يسعى مرشحه الى نيل دعمه لأن يبلغه بعدم دعم وصوله للرئاسة في حين لا يعتقد ان هذا الفريق أي الرئيس سعد الحريري سيقوم بذلك بعد المكاسب المبدئية التي حققها في الحوار مع رئيس التيار العوني. ذلك علماً أن الاسباب التي يسوّقها المعتقدون بأن الحزب يناور بالايحاء بأن العماد ميشال عون مرشحه، كثيرة، في حين لا مصلحة له اطلاقا بابلاغه بذلك خشية فقدانه للغطاء السياسي الذي يوفره له. وكذلك يفعل الرئيس الحريري بعدم ابلاغه عون رفض وصوله أو دعمه تاركاً بدوره الأبواب مفتوحة أمام كل الاحتمالات وصولاً الى الاميركيين بالذات الذين يقولون بعدم وجود فيتو على أحد أو بضرورة رئيس يحاور الجميع، ما تفسّره المصادر انه رسالة لايران المعنية بالتأثير على "حزب الله" انها متساهلة أمام أي خيار في مقابل ما يمكن أن تأخذه منها على صعيد الملف النووي وما يمكن ان يطمئنها ويطمئن اسرائيل.
والخطورة في هذه العملية السياسية، وفق المصادر السياسية، أن أحداً لا يرغب في قول الحقيقة كما هي ويمارس عض الاصابع في حين تعطي هذه العملية آمالاً واهية بحيث تكفي لابقاء اللعبة على ما هي، في انتظار أي اشارة تسمح بتوافر الاطار للاتفاق على الرئيس المحتمل. وهذا الأخير لن يسميه أحد على الارجح خشية حرقه او خشية اثارة أي شبهات حوله لئلا يغدو مرشح فريق ضد فريق آخر.
هذا المسار ككل للأمور يشي بالنسبة الى المصادر السياسية المعنية بحجم الكلفة التي باتت تترتب على الطائفة المسيحية وموقعها واللذين يتم تجاهلهما في حسابات الربح والخسارة على مستوى التنافس بين المرشحين أو الصراعات بين الأفرقاء السياسيين في الوقت الذي لم يعد وضع الطائفة يستطيع أن يتحمّل ترف هذا المستوى من الخلافات والصراعات كما من قبل أو في ظروف مختلفة. وهي كلفة باهظة جداً لا تتم الاضاءة عليها بما يكفي لا اعلامياً ولا سياسياً من أجل وضع الأفرقاء المسيحيين قبل سواهم أمام مسؤولياتهم التاريخية.