يتصرّف وزراء حكومة الرئيس تمام سلام، من قوى 8 و14 آذار معاً، على ان مهمتها طويلة، ما يقتضي استقرار صلاحيات رئيس الجمهورية وثباتها بين أيديهم. ليس كل ما فيها يعني الوزراء جميعاً. بل البعض المهم المقيم عند تماس صلاحيات الرئيس مع صلاحيات رئيس مجلس الوزراء بانقضاء ايام قليلة على انتهاء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، تحولت حكومة الرئيس تمام سلام من آلية حل انتقالي موقت الى مشكلة في ذاتها، تضاعف وطأة شغور الرئاسة. منذ الجلسة الاولى لها، الجمعة المنصرم، اختلفت على تفسير انتقال صلاحيات رئيس الجمهورية اليها، وتكاد تفتح باباً جديداً على أسباب أخرى للانقسام بين قوى 8 و14 آذار، كما بين رئيس الحكومة وقوى 8 آذار، بازاء المرحلة الجديدة.
لم تفلح سابقة حكومة الرئيس فؤاد السنيورة عند توليها الصلاحيات تلك عامي 2007 و2008، بعد انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، في خفض تباين الرأي والاجتهادات في حكومة سلام، ولا الطريقة التي أدار بها الرئيس السابق للحكومة، للمرة الاولى منذ إقرار اتفاق الطائف، صلاحيات انتقالية موقتة في الشكل والمضمون، في توقيع المراسيم والتصويت وتحضير جدول الأعمال والإصدار، وكذلك في تحديد نطاق ممارسة الصلاحيات إياها.
الواقع أن المشكلة الحالية مثلثة الأضلاع، تجعل انتقال الصلاحيات أكثر إرباكاً وإحراجاً ودافعاًَ للخلاف: الصلاحيات التي يستقل بها رئيس الجمهورية، الصلاحيات المشتركة بينه ورئيس مجلس الوزراء، الصلاحيات المشتركة بينه ومجلس الوزراء.
ومع ان المادة 62 من الدستور غير مشوبة بغموض، خصوصاً أن اتفاق الطائف ميز بين ما كانت عليه قبل تعديل عام 1990 وهو «السلطة الاجرائية» المنوطة سابقاً برئيس الجمهورية، وبين ما اضحت عليه «صلاحيات رئيس الجمهورية» في الاتفاق، الا ان الجدل المستفيض الدائر داخل حكومة سلام غالى في تفسير انتقال الصلاحيات، واوحى بتحول المهمة الانتقالية الى سلطة دائمة. بدا المقصود كذلك ان الحكومة، بأفرقائها جميعاً، لا تكتفي بتسلم صلاحيات الرئيس فحسب، بل ترث المنصب نفسه، من غير استعجال انتخاب رئيس جديد للجمهورية اضحى في ذاته فصلاً مؤجلاً ومستقلاً عن المرحلة الإنتقالية الحالية الطويلة الأمد.
لعلها مفارقة أن أفرقاء حكومة سلام الذين يتولون في مجلس الوزراء صلاحيات رئيس الجمهورية، هم أنفسهم حجر عثرة في طريق انتخاب الرئيس في مجلس النواب.
لا يقتصر صلب المشكلة الناشئة عن الشغور، ومن ثم تطبيق المادة 62، على امساك مجلس الوزراء مجتمعاً بصلاحيات رئيس الجمهورية، بل ايضاً على تفسير الصلاحيات المشتركة بينه ورئيس مجلس الوزراء، وتلك المشتركة بين رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء في محاولة تكريس اعراف وتقاليد، وربما قواعد مستقرة، ترافق مستقبلاً تكرار التجربة واخفاق مجلس النواب في انتخاب الرئيس في المهلة الدستورية، وانتقال الصلاحيات تبعا لذلك الى الحكومة القائمة.
بذلك تقترن بالجدل الدائر في مجلس الوزراء بضع ملاحظات، أبرزها:
ــــ لم تفشل حكومة سلام في تعايش طرفيها المتناحرين، وأظهرت في الأسابيع الأخيرة، قبل نهاية ولاية الرئيس ميشال سليمان، مقدرة على إدارة خلافاتهما، وفي الوقت نفسه تسيير إدارات الدولة. أقرّت مئات البنود في جلساتها، وآخرها 120 بنداً في الجلسة ما قبل الأخيرة، ناهيك بتعيينات واسعة في الإدارة.
وتبعاً لما يقوله أحد وزرائها، في وسع الحكومة المضي في استقرارها بلا رئيس للجمهورية على نحو ما رافق الأسابيع الأخيرة من ولاية سليمان، ما دام من المتعذر في الوقت الحاضر التوافق على أحد ما للمنصب. لم يكن الرئيس السابق يصوّت في مجلس الوزراء، ولم تؤتَ الجلسات ثمارها إلا تحت وطأة إصرار فريقي 8 و14 آذار على إنجاح التجربة حتى الآن على الأقل.
ــــ ليست كل صلاحيات رئيس الجمهورية برسم الممارسة الجماعية. بعضها يتصل بالرجل نفسه، يتعذّر معها استخدامها في أي حال لإرتباطها المباشر بتكوّن منصب الرئاسة كالمادتين 49 (مواصفات الرئيس وشروط انتخابه) و50 (أداؤه اليمين). كذلك حال بنود أخرى أوردتها المادة 53 اتصلت بامتيازات المنصب كاعتماد السفراء وقبول اعتمادهم وترؤس الحفلات الرسمية ومنح اوسمة الدولة والعفو الخاص وتوجيه رسائل الى مجلس النواب واحالة مشاريع القوانين على البرلمان. وما خلا الأخيرة، لا يجدي مجلس الوزراء استخدام الإختصاصات الأخرى غير ذات أهمية في إدارة موازين القوى في المجلس وانسجام مصالح أفرقائه.
لا يتبقى اذ ذاك من الصلاحيات الحصرية بالرئيس، سوى تلك المثيرة في الوقت الحاضر للسجال المتناقض: الإصدار والنشر (المادة 51)، البنود الاكثر تعبيراً عن بعض ما لا يزال للرئيس في تكوين السلطة الاجرائية أوردتها المادة 53 كتسمية الرئيس المكلف وإصدار مرسوم تسمية رئيس الحكومة ومرسوم قبول استقالة الحكومة او اعتبارها مستقيلة. اختصاصات كهذه يمسي من الصعوبة بمكان تجزئة ممارستها واتخاذ قرار واحد في شأنها من خلال 24 وزيراً. أضف أن أحداً في الحكومة لا يتحدّث، في ظلّ الشغور، في مجازفة متهورة تفضي إلى إطاحتها أو تحويلها حكومة تصريف أعمال.
ــــ يكمن الخلاف الفعلي في الصلاحيات التي انتقلت، منذ اتفاق الطائف، من رئيس الجمهورية الى رئيس مجلس الوزراء كدعوة مجلس الوزراء إلى الإنعقاد ووضع جدول أعماله (المادة 64)، او الصلاحيات الالزامية المشتركة بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء كدعوة مجلس النواب الى عقود استثنائية (المادة 33)، وتولي المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وابرامها (المادة 52)، وإصدار مرسوم تأليف الحكومة ومراسيم قبول إستقالة الوزراء أو إقالتهم ودعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد استثنائياً كلما رأى رئيس الجمهورية ذلك ضرورياً بالاتفاق مع رئيس الحكومة (المادة 53)، وتوقيع المقررات مع رئيس الجمهورية ما خلا مرسوم تسمية رئيس الحكومة وقبول استقالة الحكومة او اعتبارها وتوقيع مرسوم اصدار القوانين (المادتان 54 و64)، وتوقيع مرسوم الدعوة إلى دورات استثنائية لمجلس النواب ومراسيم إصدار القوانين وطلب إعادة النظر فيها وإطلاع رئيس الجمهورية مسبقاً على جدول الاعمال وإقالة الوزراء وتوقيع مرسوم الإقالة (المادة 64)، ودعوة مجلس النواب إلى عقد إستثنائي لمناقشة مشروع الموازنة وإصدار مرسوم يجعله نافذاً كما وُضِع (المادة 86).
واقع الأمر أن الخلاف بين أفرقاء في 8 آذار مع رئيس الحكومة وقوى 14 آذار يتمحور حول سبل توجيه ممارسة الإختصاصات هذه في منحى مختلف، في محاولة ردّ الإعتبار إلى صلاحيات رئيس الجمهورية عبر القيادة الجماعية لصلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء على السواء.