في مستهل كل جلسة لمجلس الوزراء، يصرّ رئيسه تمام سلام على انتخاب رئيس جديد للجمهورية. في كل مرة يلتئم المجلس ويقرر ويوقع، يتصرف على أن الحاجة الى الرئيس مبدئية فحسب. أما الصلاحيات فيديرها مجلس رئاسي يساوي بين أعضائه. كل وزير كاف بالممارسة لتعويض رئيس مفقود

وضعت حكومة الرئيس تمام سلام سرّها في الطريقة التي اختارتها لنفسها في سبيل البقاء. ما لا تتوافق عليه يؤجل أو يُشطب الى الأوان المناسب. رئيسها في مكان، ووزراؤها في مكان. لا أكثرية وأقلية، ولا ائتلافات متقلبة يتألّب بعضها على بعض، بل سانحة ذهبية لا تتكرر تعبر بها. الى أن يُنتخب رئيس جديد للجمهورية، يتوزّع أفرقاء السلطة الاجرائية حصص وضع اليد على الادارات والمناصب.

كي يصدر قرار، يقتضي أن يُسلّم كل من أفرقاء الحكومة بحصة الآخر ومراضاة مطالبه وشروطه ما دام يملك حق نقض، أصبح أقوى من التعطيل والتلويح بإعطاب نصاب الانعقاد، وأقوى من الثلثين حتى. بل يكاد الصوت الواحد يساوي الحكومة بوزرائها الـ24.
الادهى أن رئيس الحكومة تحوّل بدوره رقماً كالوزراء الآخرين الارقام، وإن كان لا يزال يملك سلاحاً قاطعاً واستثنائياً هو الاستقالة. بيد أنه اليوم ـــ أكثر من أي وقت مضى ـــ في ظل حكومة تتولى صلاحيات رئيس الجمهورية، يبدو أضعف من مقدرته على استخدام صلاحية باتت فاقدة الجدوى والفاعلية، فضلاً عن مغامرة استخدامها. رئيس الحكومة كوزرائها يصوّت وصوته واحد، والوزراء جميعاً كرئيس الحكومة شركاء في وضع جدول الاعمال والاتفاق على ما يناقش فيه أو لا يناقش. كذلك رئيس الحكومة والوزراء واحد في إصدار مراسيم قرارات مجلس الوزراء. صوته يساوي أي وزير آخر، وإن يكن توقيعه المراسيم يصدر عن رئيس الجمهورية رئيس مجلس الوزراء. بالتأكيد يتهيّب الوزراء جميعاً رئيس مجلس الوزراء، المنصب والرجل. غير أنه شرط غير كاف لإمرار قرار يعتقد وزير بأنه يُضرّ به أو لا يلائم حزبه.
لا يستطيع رئيس مجلس الوزراء ـــ كما عندما يحتكم الى صلاحياته الدستورية الفعلية ـــ فرض أي قرار على الوزير المعارض، أو الاحتكام الى لعبة الغالبية والاقلية والذهاب فوراً الى التصويت. لا يسعه إرغام الوزير على القبول بإرادة الغالبية والتسليم بالتضامن الحكومي. ليس في مقدوره إقالة وزير بعدما أضحى شرط الاقالة في إصلاحات اتفاق الطائف تصويت ثلثي مجلس الوزراء. ليس لرئيس مجلس الوزراء أن يقول إنه، في غياب رئيس الجمهورية، أعلى سلطة إجرائية في البلاد. كل ما يسعه فعله التحوّط من مشكلة تتسبب بانفجار حكومته، وتداركها. لا يطرح بنداً لا يحظى بإجماع الوزراء الـ24 عليه، ويؤجل البند الذي تخفق مناقشاته في انتزاع إجماع الوزراء الـ24.
لعلّ المفارقة في ذلك كله أن الوزير الواحد يساوي، في بساطة، رئيس مجلس الوزراء في ممارسة الصلاحيات نفسها. أكثر بقليل، أو أقل بقليل. يساوي أيضاً رئيس الجمهورية عندما تنتقل صلاحيات الرئيس كلها الى كل وزير على حدة، أكثر منها الى مجلس الوزراء مجتمعاً عملاً بالمادة 62.
احتاج مجلس الوزراء الى جلستين فقط كي يفصح عن صورتين متناقضتين لهيئة واحدة، ليس في وسعه العمل إلا من خلالهما. إحداهما تكمّل الاخرى:

ـــ جلسة 26 حزيران التي انتهت الى الاتفاق على آلية إدارة صلاحيات رئيس الجمهورية بعد انتقالها الى مجلس الوزراء، في بنود ثلاثة هي وضع جدول الاعمال (وهو في الواقع صلاحية رئيس مجلس الوزراء وليس صلاحية رئيس الجمهورية الذي يشترك فيها جزئياً) والتوافق عوض التصويت وتوقيع مراسيم القرارات.
ـــ جلسة 3 تموز التي استبقها الوزراء بتوقيع 143 مرسوماً قبل مناقشة جدول أعمال الجلسة التالية، في تجاوز لما كان وافق عليه الوزراء بانتداب مَن يتولى التوقيع عنهم. سرعان ما تخلّوا عنه كي يوقعوا جميعاً لتجنيب المراسيم أي طعن. بدورها جلسة الخميس المنصرم (10 تموز) أكدت المؤكد. تعثر مجلس الوزراء للمرة الثانية على التوالي في ملفي تعيين عمداء الجامعة اللبنانية وإقرار تفرّغ أساتذتها، فأرجأ بت الموضوع. أتت العرقلة الاولى من وزير حزب الكتائب سجعان القزي بحجة مختلفة عمّا أتى بها وزير الحزب التقدمي الاشتراكي وائل أبو فاعور في الجلسة الثانية. إلا أن خيار سلام كان نفسه: تأجيل بتّ الملفين.
حمل وزير المال علي حسن خليل حصيلة الجلسة الى رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي لم يتردد، أمام زواره، في تكرار انتقاده الطريقة التي يدار بها مجلس الوزراء. من غير أن يكتم تخوّفه من أعراف تنشأ عن الآلية المحدثة لإدارة صلاحيات رئيس الجمهورية، لاحظ بري أن ثمة ما يبرر القبول بهذه الآلية موقتاً الى حين انتخاب الرئيس الجديد، واستمرار التئام مجلس الوزراء ومناقشة جدول الاعمال وتوقيع المراسيم. يجد في عمل الحكومة سبباً وجيهاً كي يلتئم مجلس النواب، ويتولى بدوره ممارسة صلاحياته في التشريع. بيد أن ما يلفته ما يبدو تعاطياً غير مبرر لدى فريق 14 آذار، وتيار المستقبل خصوصاً، بتمسكه بالانعقاد الدوري لحكومة سلام، وإصراره على تعطيل جلسات مجلس النواب.
يشير بري الى أن جهود الحوار الدائر بينه وبين تيار المستقبل ـــ وقد حُمّلت أكثر مما تحمل ـــ لا تتعدى البحث في اجتماع مجلس النواب. إلا أن الخلاف لا يزال عميقاً بين الطرفين. يؤكد «أن ليس أمام مجلس النواب ـــ ما ان يلتئم ـــ سوى متابعة جلسة سابقة كانت قد رفعت قبل أن تنجز جدول أعمالها، وخصوصاً بند سلسلة الرتب والرواتب. لا تزال الجلسة مفتوحة الى أن يقرّ هذا البند أو يصير الى إسقاطه بالتصويت عليه. يجري بعدئذ الانتقال الى بنود أخرى، سواء كانت رواتب موظفي القطاع العام أو إصدار سندات أوروبوندز لتسديد الديون الخارجية».
على طرف نقيض منه، يريد تيار المستقبل التئام المجلس لبند ضروري واحد بالنسبة اليه هو تسديد الديون الخارجية، والقفز فوق سلسلة الرتب والرواتب.
يقول بري: «مقدار ما يبدو إصدار سندات يوروبوندز ضرورياً ومهماً، لا تقل عنه أهمية وإلحاحاً سلسلة الرتب والرواتب، وكذلك رواتب موظفي القطاع العام. يسعون الى إيجاد مخرج غير قانوني لتبرير إجازة دفع رواتب موظفي القطاع العام، في حين ان المكان الوحيد لبتّ هذا الملف هو مجلس النواب فقط، وليس البحث في قوانين تجيز المخالفة. يريدون تخريج دفع رواتب القطاع العام ببند يتعلق بالتعويضات بالذات. ما يحدث في الحكومة، في هذا الموضوع وسواه، ناتج من ذهنية واحدة هي نفسها، تسببت بتعطيل جلسات مجلس النواب ولا تزال، وتريد تعطيل حقه في الانعقاد والتشريع في كل وقت. ما يطلبونه في موضوع رواتب القطاع العام هو أن نخالف القانون كما سبق أن فعلوا، كي نتساوى معهم في المخالفة. لكن ذلك لن يحصل أبداً ما دامت حركة أمل تتولى وزارة المال».