دخل لبنان في الفراغ، لم يعد الأفق واضحاً للمرحلة المقبلة، بدأت لعبة عضّ الأصابع "ندماً وخوفاً"، قوى الرابع عشر من آذار وجدت نفسها أمام ما لا تريده، وما دوماً أرادت تجنّبه، لكنها أخفقت مجدداً، وأوصلت نفسها إلى ما كانت ترفضه. في محاولة للملمة الأخطاء، تدرس قوى ثورة الأرز كيفية التحرّك في المقبل من الأيام علّها تعيد إلى يدها خيطاً من خيوط اللعبة، بعد أن افتقدتها ووضعتها في أيدي خصومها والقوى الإقليمية. من الآن لا كلام عن مواجهة ولا عن ديموقراطية وطقوسها، جلّ التفكير يتركّز على الخروج من المأزق في البحث عن تسوية.

مع بدء السباق الرئاسي إلى بعبدا، حاول تحالف 14 آذار تقديم نفسه كحركة رائدة في الديموقراطية. قدّم أحد صقورها ترشيحه وفقاً لبرنامج، توحدّت خلفه وإن مرغمة، على خطّ مواز فتح أوسع تيار فيها خطوط التواصل مع خصومها، أربك الشركاء لكن التكتيك فوق كل اعتبار، حليف آخر كان يبحث عن لحظة الإنقضاض على ترشيح الأول ليعلن ترشيحه، وهكذا إلى أن سقطت كل الترشيحات.

تشعر قوى الرابع عشر من آذار ببعض من الندم. يقول أحد النواب لـ"المدن" أننا "وصلنا إلى ما أراد حزب الله أن يوصلنا إليه، دخلنا في الفراغ، الخوف الآن من الشارع وإستغلاله، ومن عمل أمني كبير قد يفرض الرئيس الذي لا يرضينا ولا يحظى بموافقتنا".

رأي النواب من مختلف الأحزاب موحّد، "أصبحنا أمام حائط مسدود"، من كتلة المستقبل إلى القوات إلى الكتائب والمستقلين، الجميع يفكّر في الذي سيفعله حزب الله، لا أحد يستطيع استشراف الأمور، كأنهم غير مقرّرين وغير مفاوضين، هم فقط ينتظرون النتائج، وبازار البورصة على من سيرسو ومن بعد ماذا؟

في مقاربته "الموضوعية" لأداء معركتهم الإنتخابية، لا يخفي أحد النواب لـ"المدن" الجانب الإيجابي، إذ يعتبر أن هناك موازين قوى لا تسمح بغير ذلك، "وفق هذه المعطيات لا وجود لخيارات أخرى، يجب قراءة الأمور بالأداء وليس بالنجاحات". يبرر كل التخبط. يقول إن الأداء كان ممتازا ولكن هناك سلاحاً لا يمكن تجاهله!

الهواجس كبيرة، يقين هذه القوى أن حزب الله سيأتي بالرئيس الذي يريد، يعتبر أحدهم لـ"المدن" أن الإستمرار بهذا الواقع قد يفتح الباب أمام مغامرات جديدة من الممكن أن تكون عنيفة، وذلك بهدف الوصول إلى إنهيار معيّن والذهاب إلى طرح حلول جذرية: "الشغور ليس أمراً عادياً، الحزب يسعى الى تحقيق الكثير من المكاسب".

المشاورات مفتوحة لإتخاذ خطوات معينة تستثمرها في الشارع، وحسب معلومات "المدن" فإن الإجتماعات تتركّز على دراسة أشكال تصعيد التحركات، "قد يلجأون إلى تظاهرات أمام منازل النواب المسيحيين المقاطعين للجلسات والمعطلين للنصاب". في موازاة ذلك، يقولون داخل الإجتماعات أنه من المفترض أن يكون هناك طرح لرئيس توافقي، يذهب أحدهم أكثر من ذلك ويقول: فليأت حزب الله لنتفاوض سوياً على رئيس، نحن موجودون في هذا البلد ولنا مثل ما لهم لكن المشكلة الأساسية أن الرئيس التوافقي بالنسبة للفريق الآخر هو على شاكلة إميل لحود.

إذاً، راحت "السكرة وإجت الفكرة"، سكرة الديمقراطية والترشيح والمواجهة تبدّدت، الواقع مختلف تماماً، في بعض شوائب إدارة المعركة، لا سيما بخصوص التشبث بما أصبح قابلاً للتخلّي، يعيد تجسيد فكرة الخسارة، والتراجع الذي تسجّله هذه القوى في رصيدها. الضحكة التي ترتسم على وجوه قادة حركة الإستقلال حين تسألهم عن مسار المفاوضات مع خصمهم اللدود التيار الوطني الحرّ تشير إلى فخرهم بأنهم عرّوا عون كما يعتقدون، او يعتقد بعضهم، لكن النجاح بإحراق ورقة من أوراق الخصوم في مقابل خسارة المعركة بهدفها الأساس، هو بعيد كلّ البعد عن البراعة في التكتيك، ومؤشّر إلى أنه يحتاج إلى المزيد من النمو.