بالنسبة الى رئيس نظام يخوض معركة وجودية ضد شعبه بكل انواع الاسلحة الكيميائية والبراميل المتفجرة وسواها منذ ثلاث سنوات من اجل استمراره، بدت المذكرة القضائية السورية ضد النائب وليد جنبلاط والزميل فارس خشان تزامنا مع توقيت بحث مجلس الامن الدولي مشروع قرار فرنسي باحالة النظام السوري على المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الانسانية بمثابة تأكيد ان هذا النظام لم يخرج ابدا من واقعه من اجل ان يغير مقاربته للامور او لكي يظهر بالحد الادنى ان تجربة هذه الاعوام الثلاثة قد ساهمت في احداث اي تغيير ايا يكن نوعه او طبيعته. الرسالة الرمزية معنويا والمفترضة من هذا التصرف انه، وفيما تضغط الدول الغربية من اجل محاسبة النظام وتسعى الى تجريده من محاولات تثبت شرعية استمراره، يحاول هو ان يضغط على لبنان او يوحي بانه لا تزال لديه الادوات من اجل محاسبة من يعتقد انه يتعين عليه محاسبتهم فيما تحاول الدول الغربية نفسها حماية لبنان او تقول انها ستعمل على حمايته من تداعيات الحرب السورية. في حين ان جانبا اخر من الرسالة المفترضة من المذكرة القضائية ضد جنبلاط تفيد انه لا يزال لدى النظام قضاءه وان كانت من اللاذقية وليست من دمشق وتاليا انه هو الذي يحاسب ويقيم عدالة ما وليس مجلس الامن والمحكمة الجنائية الدولية وهو في موقع من يحاسب (بكسر السين) وليس من يحاسب (بفتح السين) او انه ايضا يحاول الايحاء انه استعاد قدرته على محاسبة الاخرين من منتقدي سياسته واسلوبه في مواجهة شعبه وكان جنبلاط من ابرزهم ولا يزال. لذا لم يكن غريبا ان يسجل القضاء اللبناني في المقابل عدم امكان تبليغ جنبلاط "المجهول الاقامة" فيما يعود حلفاء النظام مفاخرين من زيارات له بانه، وفيما يدعم بشار الاسد استمراره في السلطة بولاية جديدة على نحو يتحدى فيها غالبية المجتمع الدولي، فإن لبنان الذي تخطى مخاطر كبيرة خلال السنوات الثلاث من الحرب الاهلية السورية بالحد الممكن من الاستقرار يواجه فراغا كبيرا محتملا في رأس مؤسساته الدستورية واحتمال تعطيل المؤسسات الاخرى. وفيما لا تقيم مصادر سياسية وديبلوماسية اي قيمة لرسائل النظام السوري بهذا المعنى مع اصرار المصادر الديبلوماسية على ان الفيتو الروسي والصيني الذي حال دون احالة النظام على المحكمة الجنائية الدولية لا يعني احتمال ان يكون له مستقبل في سوريا، فانها لا تخفي ان الفراغ الذي يدفع به البعض في سدة الرئاسة الاولى واحتمال ان ينسحب ذلك على المؤسسات الاخرى يخدم المنحى الذي يتحدث به حلفاء النظام وفقا لما قاله السفير البريطاني في لبنان من ان الفراغ الرئاسي هو نكسة للبنان ولداعميه.

وتقول المصادر الديبلوماسية انه تم التسليم بالفراغ امرا واقعا لم يعد في الامكان تجنبه مع انتهاء ولاية الرئيس سليمان على امل الا يطول هذا الفراغ. ولعل مسارعة السفير الايراني الجديد الى المجيء الى لبنان ليومين فقط من اجل تقديم اوراق اعتماده الى الرئيس سليمان قبيل مغادرته قصر بعبدا، علما ان السفير الحالي لم يغادر مركزه بعد على غير ما هو معهود في الاطار الديبلوماسي، مؤشر على ان ايران تتوقع فراغا قد يمتد الى الصيف المقبل وانها لا ترتقب تغييرا على هذا الصعيد في المدى المنظور مما يعني ان المرحلة مفتوحة على فراغ طويل نسبيا. وفيما تضيف المصادر الديبلوماسية ان هناك اتصالات ومساعي، فضلا عن تحذيرات جدية من تخطي الخط الاحمر الداخلي لجهة تصعيد طبيعة الفراغ او انسحابه على كل المؤسسات الدستورية نظرا للتداعيات الكارثية على كل الصعد ناهيك بإمكان فتح البلاد على مجهول، يقول البعض انه حذر العماد عون من ان يكون هو من يتحمل مسؤولية تاريخية في شأنه عبر الدفع نحو اعادة النظر في صيغة لبنان، فان هذه المصادر تصر على ان المحاولات لن تتوقف من اجل عدم اطالة فترة الفراغ علما ان المؤشرات لا تبدو سهلة. اذ ان رئيس التيار العوني، وان تلقف الرسالة بعدم احتمال دعم وصوله لموقع الرئاسة، فمن غير المحتمل ان يقوم احد حلفائه ولا سيما " حزب الله" بقطع الطريق امامه او ان يكون هو من يتولى ذلك لان لا مصلحة له بذلك راهنا، وهو كان املاً مع سواه من الافرقاء ان يتولى الرئيس سعد الحريري ابلاغه بعدم دعمه للرئاسة فرد الحريري الكرة الى ملعب المسيحيين شأنه شأن الرئيس نبيه بري لئلا يتحمل هو ما يسعى الاخرون الى تحميله اياه اي رفض الرئاسة لاحد ابرز الزعماء المسيحيين. وقياسا على اظهار عون سرعة استيعابه لعدم وصوله ومن ثم الانتقال الى مرحلة التفاوض على مرشح اخر يوافق على دعمه، كما انه قياسا على تجربة تعطيله تشكيل الحكومات في الاعوام القليلة الماضية من اجل ضمان وزارة الاتصالات ثم الطاقة واخيرا الخارجية للوزير جبران باسيل والتي استغرقت بضعة اشهر في كل مرة، فان التوقعات تذهب في اتجاه ان يدوم الفراغ اشهرا علما ان ثمة ما يدعم ذلك من خلال انشغال اقليمي، يعول عليه كثر من اجل حلحلة العقد المحلية ولا سيما انجاز الانتخابات الرئاسية، لكن يبدو انه لن يعطي لبنان ما يحتاجه من اهتمام وفق ما يرغب اللبنانيون نظرا لاولويات اخرى كثيرة ليس لبنان من ضمنها.