يقود الجنرال الليبي خليفة حفتر وقوات أخرى موالية له، هجوما عسكريا عنيفا منذ أمس الجمعة، على المليشيات المسلحة في بنغازي، وأسفرت هذه المعارك التي تدور رحاها في ثاني أكبر المدن الليبية، عن مقتل وإصابة ما لا يقل عن 100 شخص.

ونقلت قناة "ليبيا أولا" عن موالين لحفتر، الذي شارك في التمرد الذي أطاح بالعقيد الراحل، معمر القذافي، إن هدف الهجوم هو تطهير المدينة من المليشيات المسلحة..

وفي هذا الوقت رفضت الحكومة الليبية والقيادة العسكرية في طرابلس، أي عمل عسكري دون تفويض من السلطات الشرعية، واصفة العملية العسكرية، التي شاركت فيها قوات حكومية ليبية، بأنها قد ترقى إلى "انقلاب"، ووصفه القائم بأعمال رئيس الوزراء، عبدالله الثني، بأنه خروج على الشرعية، وصرح للتلفزيون الليبي : "تحركاتهم ضد أوامر الجيش الصادرة عن السلطات الشرعية."

وأضاف الثني بأن طائرة تابعة لسلاح الطيران الليبي و120 مركبة عسكرية شاركت في العملية العسكرية "غير المرخصة."

ومن جانبه وصف قائد الجيش الليبي، عبد السلام جاد الله، العملية العسكرية بانها محاولة "انقلاب على الشرعية"، طبقا لـوكالة الأنباء الرسمية،"وال."

ويعكس الهجوم، الذي تم دون تفويض من السلطات الرسمية، الحكومة، مدى الصعوبة التي تواجهها طرابلس، في السيطرة، على الأوضاع ببنغازي، التي تشهد انفلاتا أمنيا واسعا من عمليات اغتيال وهجمات وتفجيرات واختطاف يومية، يشتبه بوقوف المليشيات المتشددة المسلحة ورائها.

وسجل يوم أمس الجمعة مقتل 24 شخصاً على الأقل وأصابة 146 آخرون بجروح مع اندلاع معارك عنيفة بعد الهجمات التي قادها اللواء حفتر على مواقع تابعة لميليشيات إسلامية في بنغازي
ومن جهته أطلق الجيش الليبي أمس الجمعة عملية "كرامة ليبيا" لتطهير مدينة بنغازي من الجماعات المسلحة، في وقت وصف رئيس الأركان الهجوم الذي تعرضت له معسكرات الجيش في بنغازي بأنه انقلاب.
وقال مصدر أمني إن قوات من الجيش مدعومة بالسلاح الجوي بدأت تنفيذ عملية "كرامة ليبيا" والتي تستهدف التكفيريين والعصابات الخارجة عن القانون في بنغازي.
وتزامنت العملية مع هجوم قوة عسكرية على عدد من المعسكرات والكتائب الواقعة في مدينة بنغازي، وقالت مصادر صحفية إن اشتباكات وقعت بين هذه القوة العسكرية والعناصر الموجودة في هذه المعسكرات استخدمت فيها الأسلحة الثقيلة والمتوسطة وأسفرت حسب أنباء أولية عن سقوط عدد من القتلى والجرحى بين الطرفين.
وقال العقيد محمد الحجازي، الناطق السابق باسم الغرفة الأمنية في بنغازي إن "قوات ليبية عسكرية تخوض معركة مع تشكيلات إرهابية في منطقتي سيدي فرج والهواري" . وطالب الحجازي الشارع بدعم قواته المسلحة وأن يهب للمشاركة في معركته المصيرية.
وأوضح شاهد عيان أن الجيش الوطني نجح في السيطرة على معسكر السحاتي بالكامل، وبوابة سيدي فرج، وبوابة مصنع الإسمنت، وجزيرة دوران مصنع الإسمنت في بنغازي.
من جانبه كشف رئيس الأركان العامة للجيش الليبي اللواء عبدالسلام جاد الله أن القوة التي دخلت إلى بنغازي فجر أمس الجمعة، هي مجموعات صغيرة تابعة للواء السابق "خليفة حفتر" من بينها بعض العسكريين وتعمل على فرض إرادتها بالقوة على الشعب الليبي.
وأوضح جاد الله أنه صدرت تعليمات مكتوبة إلى الغرفة الأمنية والقوات العسكرية والثوار التابعين تحت قيادة الغرفة الأمنية المسؤولة عن بنغازي بالتصدي لأي قوات خارجة عن الشرعية تحاول الانقلاب على الشرعية، مؤكداً أنه لا يمكن أن تأتي قوة عسكرية نيابة عن الشعب الليبي وتقرر مصيره، واصفاً ما حدث بالانقلابوفي ظل الاوضاع الامنية المتردية بادرت الجزائر بغلق "مؤقت" لسفارتها وقنصليتها العامة في ليبيا كتدبير وقائي بسبب "وجود خطر حقيقي وداهم" يهدد الدبلوماسيين والقنصليين بهذه الدولة
وذكرت وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية في بيان أمس الجمعة، انه "إثر وصول معلومات مؤكدة بوجود تهديد حقيقي وداهم يستهدف دبلوماسيينا وأعواننا القنصليين اتخذ قرار غلق سفارتنا وقنصليتنا العامة في ليبيا كتدبير وقائي ومستعجل بالتنسيق مع السلطات الليبية" . وأكد البيان الطابع المؤقت لهذا الإجراء الذي أملته الظروف الأمنية الصعبة، معرباً في الوقت نفسه عن تضامن الجزائر الراسخ مع الشعب الليبي وسلطاته ودعمها للجهود التي تبذل

ويشار الى أن اللواء حفتر هو ضابط سابق في الجيش الليبي، وكان من القادة العسكريين الذين ساهموا مع معمر القذافي في الانقلاب العسكري الذي أوصله إلى سدة الحكم عام1969. لكنه اختلف معه وغادر ليبيا إلى المهجر قبل أن يعود بعد اندلاع ثورة 17 فبراير (شباط) 2011 لينضم إلى "جيش التحرير الوطني".

كان عضوا في "مجلس قيادة الثورة" الذي انبثق من الانقلاب الذي قاده القذافي. وكان يُعرف بميوله الناصرية العلمانية مثل أغلب مجموعة الضباط الوحدويين الأحرار التي شكلها القذافي عام 1964، والتي وضعت حدا للحكم السنوسي في ليبيا في الأول من سبتمبر (أيلول) 1969.

قاد حفتر الحرب التي دارات في ثمانينات القرن العشرين بين ليبيا وتشاد بسبب الصراع على إقليم أوزو الحدودي بين البلدين، وكان ضمن مئات الضباط الليبيين الذين أسروا خلال إحدى المعارك العسكرية نهاية مارس/ آذار 1987.

وداخل سجنه، بدأ حفتر يأخذ مسافة من نظام القذافي، وقاد مساعي مع مئات من رفقائه العسكريين داخل سجون تشاد، وتوجت تلك المساعي عام 1987 بالانخراط في الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا المعارضة للنظام الليبي، ثم تأسيس وقيادة الجيش الوطني الليبي الذي مثل جناحها العسكري.

لم يعمر الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر طويلا، فبعد وصول إدريس ديبي للسلطة في تشاد, تم تفكيك هذا الجيش, وتولت طائرات أميركية نقل مجموعة كبيرة من عناصره إلى الكونغو الديمقراطية ثم إلى الولايات المتحدة, من ضمن هؤلاء قائد الجيش خليفة حفتر.

بقي حفتر داخل الولايات المتحدة، واستمر معارضا لنظام القذافي. وبعد اندلاع الثورة عاد إلى ليبيا وتحديدا إلى بنغازي منتصف مارس (آذار) الماضي للمشاركة في الجهود العسكرية والسياسية الهادفة إلى إسقاط النظام.

وفي فبراير من العام الجاري، أطلق حفتر دعوة من أجل تجميد عمل المؤتمر الوطني (البرلمان) والحكومة الليبية، وفهمت دعوته تلك على أنها إنقلاب، لكنها لم تجد صدى لها في أوساط المسلحين والثوار.