تتوسع الأزمة الأوكرانية بشكل متسارع لتأخذ بعدا دوليا تتداخل فيه مصالح الدول الكبرى خصوصا روسيا والولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي , وبدأت الأزمة بمظاهرات شعبية كبيرة بعدما رفض الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش اتفاقية تؤمن المزيد من التقارب الاقتصادي مع الاتحاد الأوروبي لصالح التقارب مع روسيا , إلا أن جذور الأزمة تركيبة هذا البلد المتعدد الإثنيات والأعراق والأديان واللغات. وهو منقسم بالاساس بين شرق يتكلم سكانه الروسية ويرون في روسيا بلدهم الأم، ويانوكوفيتش واحد من هؤلاء، وبين غرب يتكلم اللغة الأوكرانية ويدعو إلى الانضمام لأوروبا , وهذا الانقسام السياسي والثقافي والاقتصادي يجد عمقه أكثر في أزمة الهوية التي يعيشها البلد الذي نال استقلاله في عام 1991 بعد سقوط الاتحاد السوفياتي السابق .
 ومن  هنا يعتبر بعض المحللين السياسيين للأزمة الأوكرانية أن أوكرانيا هي التي تصنع صورة روسيا كقوة عظمى أو هي التي تكسر هذه الصورة، ويضيفون أن  روسيا من دون أوكرانيا هي مجرد بلد بينما روسيا مع أوكرانيا هي إمبراطورية.
وفي ظل هذا الواقع المأزوم يخشى من أن تؤدي هذه الأزمة إلى تدخل عسكري روسي يرى بعض الخبراء أنه سيكون مكلفا جدا لروسيا دبلوماسيا واقتصاديا .
ونظرا للعلاقات الاقتصادية التي تربط كلا من الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاروبي بأوكرانيا هدد كل منهما روسيا بفرض عقوبات اقتصادية قاسية جراء استمرار تدخلها في اوكرانيا كما تم تهديد روسيا باستبعادها من مجموعة الدول الثماني الأمر الذي يؤدي الى صعوبات اقتصادية كبيرة قد لا يستطيع الاقتصاد الروسي تحملها .
 
وفي هذا السياق من الصعوبة بمكان التكهن بما ستؤول إليه الامور مع وصول قادة متمسكين في المقام الأول بربط مستقبلهم بأوروبا وليس بروسيا، وهذا ما يعتبر مشكلة كبيرة وجدية للرئيس فلاديمير بوتين الذي يحلم
بإبقاء أوكرانيا في فلك روسيا .
ولذلك
كانت روسيا هددت بأنها ستزيد الرسوم الجمركية على المنتجات الواردة من أوكرانيا إن اقتربت كييف
أكثر من الاتحاد الأوروبي وأدانت روسيا التدابير التي اتخذتها السلطات الجديدة في أوكرانيا .
أما
الرئيس الأوكراني بالوكالة ألكسندر تورتشينوف فأعلن أن الاندماج الأوروبي يشكل "أولوية" لأوكرانيا ودعا موسكو إلى احترام "الخيار الأوروبي" لأوكرانيا.
والمعطيات الجديدة على الارض في أوكرانيا "البلد الشقيق لروسيا" حسب تعبير لفلاديمير بوتين، تشير الى نهاية حلم الرئيس الروسي بتشكيل اتحاد اقتصادي للدول التي كانت في بوتقة الاتحاد السوفياتي السابق، لمنافسة ليس فقط الاتحاد الأوروبي بل والولايات المتحدة والصين وهذا المشروع الذي يعتبر من الأهداف الرئيسية للرئيس بوتين خلال سنوات حكمه الـ14 حسب العديد من المراقبين، قد يجرد من معناه في غياب أوكرانيا التي تعد 46 مليون نسمة وتملك قدرات كبيرة زراعية وصناعية.
وحاليا فإن كل المؤشرات تدل على أن الأزمة ذاهبة إلى مزيد من التعقيد، والحلول تبدو مستبعدة في الوقت الراهن وخصوصا أن العالم برمته الآن موجود في الملعب الأوكراني، ولا أحد يمكنه أن يدعي استحواذه على الكرة.

كاظم عكر