نجح حزب الله الى حد بعيد في إخفاء حقيقة المبنى الاعتقادي والفقهي الذي من خلاله فقط يقارب الموضوعات السياسية وغير السياسية، بصفته حزبا دينيا يلتزم الفكر الإسلامي ، الا ان ما يميز حزب الله عن غيره من الأحزاب والحركات الدينية هو هذه المساحة الواسعة التي تؤمنها له العمل بالتقية ، والمسماة أيضا بالعمل التكتيكي ، والتي اتقن الحزب استعمالها عبر التستر الدائم خلف عناوين وشعارات وطنية مرة وعربية مرة أخرى وغير ذلك، حتى اننا نكاد ننسى الهوية الحقيقية لهذا الحزب وانه حزب ذو عقيدة دينية .

حتى انه صارمجرد التذكير بهذه الحقيقة هو اقرب الى رمي اتهام يحتاج مدعيه الى دليل وبرهان لتأكيده، لولا بعض الفلتات العلنية الاستثنائية جدا التي تشير الى واقع الحال هذا، كالذي جاء على لسان امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله منذ فترة في خطابه بالمجلس العاشورائي المركزي عندما قال : " ولذلك عندما نأخذ أي قرار او ندخل الى أي ميدان وأي ساحة وأي قتال لا نلجأ الى علومنا ومستوانا العلمي بل نرجع الى فقهائنا وكبارنا ومراجعنا .. "

ومن هنا يجب ان نفهم البعد الفقهي لمقاربة حزب الله للاستحقاق الرئاسي، فاذا كانت الظروف الموضوعية لا تسمح بعد بالقضاء على تولي " نصراني " لزمام أمور المسلمين عبر رئاسة الجمهورية ، فهذا يقضي بحسب تراتبية النهي عن هذا المنكر، وعملا بالقاعدة الأصولية التي تقول ( ما لا يدرك كله، لا يترك جله )، فهذا يعني بانه اذا كان ولا بد من وصول شخصية مسيحية الى سدة الرئاسة فان " الواجب الشرعي " المتاح هنا هو بان يصل الى هذا المركز الحساس شخصية مسيحية تحمل جينات تجعلها منسجمة تماما مع مفهوم " اهل الذمة "، ولمن لا يعرف فان " اهل الذمة " هو مصطلح إسلامي يقصد فيه كلا من اليهود والنصارى الذين يعيشون " تحت " الحكم الإسلامي .

وهذا المعنى هو الترجمة الشرعية لما قاله الشيخ نعيم قاسم منذ أيام ويؤكده مسؤولي حزب الله يوميا ولكن باساليب وطرق مموهة ومختلفة ، ولعل هنا بالذات تكمن الإشكالية "الشرعية " في إمكانية قبول ترشح سمير جعجع ، على عكس غيره من المرشحين .