شكل جمال عبد الناصر زعامة مصرية استثنائية امتدّت لتشمل العالم العربي ولتحتل مكانة عالية اقليمياً ودولياً فرضته وعن طيب خاطر الشعوب زعيماً لدول عدم الانحياز في وقت كان العالم يرزح تحت ثقل الرجال من قامة عبد الناصر . تضخمت مصر دوراً وموقعاً واهتماماً ومسؤولية تاريخية في حضور عبد الناصر, وربحت تأييد شعوب العالم الثالث, بحيث بدت مصر أكبر من امكانيّاتها , ودولة متجاوزة لحدود اقليمها , ووعداً فلسطينيّاً حوّلته ناصرية مصر من كابوس ثقيل  الى حلم عربي جميل . قدّ يكون عبد الناصر صورة وحيدة في الاطار العربي ورئيساً استثنائياً يتمتع فعلياً بتأييد شعبي غير مُلفق على طريقة باقي الحكّام العرب , وقدّ يكون آخر المناضلين العرب وأول الثائرين لتصحيح مسارات عربية من موقع السلطة . سواء كنت ناصريّن أو مُعاد لها لا تستطيع أن تنفي حضور عبد الناصر في قلوب ملايين البشر, كما أنه لا يمكن لأحد ادانة عبد الناصر على سلوك رئاسي بقي نظيفاً ولم تشوبه شائبة شخصية أو عائلية , وهذا بحدّ ذاته رأسمال سياسي وفرّ للرئيس عبد الناصر سمعة جيدة استمرت معه حتى الممات . هذه الايجابية الناصرية ليست مُقفلة على ايجابيّات رئيس خسر الكثير من رصيده الشخصي في البنك التاريخي لحظة خُسران الحرب وسقوط كافة الشعارات  التي وفرها للمصريين والعرب في لحظة من سخونة الدم الفلسطيني الذي هُدر أكثر من مرة على أيد عربية وفلسطينية . طبعاُ نحن لا نعالج هنا الموضوع المصري وتأثيرات عبد الناصر عليه بالمعنى الكامل والشامل  بالقدر الذي نعاين فيه حاجة مصر الملحة الآن الى قيادة قريبة من عبد الناصر . في الشبه البارز بين مُشيرين من مدرسة عسكرية واحدة ثمّة امكانيّة لترسيم المشير عبد الفتّاح السيسي  في مكانة أقرب الى الرئيس عبدالناصر. من خلال التقاطه للفرصة السانحة والضائعة لملء مقعد رئاسي مصري عربي شاغر باستمرار لأحد من أبناء المؤسسة العسكرية المهيمنة والمسيطرة على الدولة والمجتمع في مصر . في اطلالة الترشيح استثار السيسي عطف المصريين وحاجاتهم المتعددة من الأمن العسكري الى الأمن الغذائي ورفع من أسهمه الشخصية ليصبح رئيساً بلا منافس لمصر . نجحت المؤسسة العسكرية في أن تكون وحدها الحلّ , بعد أن فشل المدنيّون في بناء مصر خارج ثُكنة الجيش