ما هو مجلس صيانة الدستور ولماذا تكون قرارته وحدها في صالح الامة الايرانية ؟ وكيف يمنع أي مواطن من حقه في الترشج للإنتخابات الرئاسية ؟
 

أولاً: الموقع الاستراتيجي

كان فتح بلاد فارس (وما هي إلاّ بلد من بلدان الإقليم الإيراني الكبير) على يد الفتح العربي الاسلامي بطيئاً وصعباً على رغم انهيار السلطة الساسانية سنة ٢١هج/ ٦٤٢م في معركة نهاوند، فقد كانوا قوماً من الأسياد يدافعون عن ترابهم الوطني، خلافاً للأقوام-العبيد في السهول الطمييّة (بلاد الرافدين ومصر)، ومؤطّرين جيداً من قبل ارستقراطيتهم من المرازبة الذين لم يُبادوا جميعهم في القادسية ونهاوند، ففي كل مدينة تقريباً ،وجد العرب رئيساً يُقرّر المقاومة أو الاستسلام. وخارج السهل الساحلي - وهي البلاد الدافئة- كانت فارس الثّرية، وهي البلاد الباردة المرصعة بالمدن والحصون، جبلية ومُقطّعة بمضائق سحيقة، مئات القرى التي تحميها القلاع والحصون، ومدُن-عواصم للمناطق: إسطخر، المدينة المقدسة، شابور، أرّجان، درابجرد، اردشخيرة، شيراز، وهي الانشاء العربي الوحيد ،تأسّست سنة (٦٤هج) ، زراعة مزدهرة، صناعة يدوية قائمة على النسيج، عالم مُنظّم ،حيث كان يتواجد الرُّعاة الرّحل ،الحضر الحرفيون، الفلاحون القرويون، وعالم مُستقطع أيضاً، ذو طابع ارستقراطي شديد، وقد لزم للعرب عشر سنوات حتى يُخضعوا بلداً كهذا: من ١٩هج إلى ٢٩هج.ولم تنقطع بعد ذلك التمردات والانتفاضات والانشقاقات، فلطالما عانت تلك البلاد من انفصامٍ حاد بين ارتباطها العضوي بتراثها العريق وولائها لقومية دينية وافدة.

 

إقرا أيضا:  إيران: مرشحون رئاسيون بالجملة

لم يخرج التراث الصفوي فالقاجاري فالبهلوي ،عن تاريخه العريق ، وقد اتّصلت مفاعيله وآثاره إلى الدولة الخُمينية من تاريخ إيران الحديث والمعاصر، وحوادثه وتحدّياته ومعضلاته، فإيران لم تنفكّ قوة أو كتلة بشرية سياسية وجغرافية راجحة، على مُنعقد دوائر ودول وجماعات وطُرُق وأسواق تتعاظم أدوارها في موازين القوة والثروة العالميّتين، فهي بوابة "الهند" البرية، والحاجز بوجه التوسع الروسي في آسيا الوسطى، وتوأم تركيا، ونظير شبه جزيرة العرب، ورقيب حوض النفط العظيم، ولا شكّ في قدرتها على الاضطلاع بالحكم والتوحيد والاستيلاء والتّوسع، وها هي الدولة الخمينية تواصل تراثاً صفوياً في مخاتلة الشعوب العربية التي غزتها في أيام الإسلام المبكّر،لتنقلب الأدوار وتواصل الثورة "الإسلامية" هجوماً معاكساً هذه المرة.
ثانياً: الانتخابات المُقيّدة...

 

إقرا أيضا: هل يخسر ظريف الكرسي الوزاري بإنتخاب الرئيس الجديد؟

في إيران تجري انتخابات برلمانية ورئاسية تحتفظ بقدرٍ كبير من الحيوية، أي أنّها لم تُنسج على منوال استفتاءات حاكم العراق السابق وزميله السوري السابق واللاحق (حشو صناديق الاقتراع ب٩٨ بالمائة من الأوراق)، فقد حظي مير حسين موسوي بتزكية مجلس الوصاية على الدستور، الهيئة التي تتولّى دور المصفاة ، أو الحاكم المتعسف في مطابقة المرشح معيار المنافسة، والتزامه قيود النواة الخمينية عليها، وذلك استدراجاً للناخبين المتحفّظين أو الممتنعين يأساً وقرفاً، إلا أنّ بُنية المؤسسة السياسية هي التي تتحكّم في وجهة الانتخابات فتُقيّدها قيوداً مُحكمة الإقفال، وتتولى هيئات الرقابة والوصاية الحفاظ على سطوة العلماء التابعين للمرشد والسّطوة الحرسية (الحرس الثوري) ، وهذا هو معنى تنصيب هيئات أو مراجع غير مُنتخبة فوق إرادة الناخبين، وإفتائها سلفاً في من يحق له الترشُّح، وفي من لايحق له ذلك، وهو نظام حزبي "بلشفي" ، فهو يوكل إلى نواة ضيّقة من الأفراد يختار بعضهم بعضاً في ميزان معايير مشتركة، ويتوالد بعضهم من بعض، حماية أركان النظام المعنوية والشخصية، فالانتخابات عموماً، ينبغي أن لا تتناول صلاحيتها (أي رأي الناخبين) ما يمكن أن يمُسّ بمقدسات الثورة أو الولاية. فلا يُترك للايرانيين ، من الجمهور والعوام والضعفاء (ديناً وموارد عيش وعمل) البتّ في الأمور "العظيمة" مثل من "يدير" البلد، وكيف يُحكم، وما يليق بالايرانيين فعله أو لا يليق، وكيف يتنازعون أو يتّفقون، وما هي معايير التحكيم في منازعاتهم وهيئاته، وما هي معايير أحلافهم وسلمهم وحربهم، وغيرها من المسائل، فهذه كلها محفوظة في أجوبة وعلمٍ سابق وثابت، والأجوبة "العلمية" مُستودعة في ضمير وعقل المرشد ودائرة أصحابه ومن يرون رأيه ويرى رأيهم، والمرشد ورجاله هم مستودع العلم المكنون هذا، وعلى الناس أن تنتخب ، أي أن تدلي بصوتٍ مُقيّد لا يتخطّى "ألوان" الدائرة. وهكذا كان الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد التلميذ "الصغير" بين يدي المرشد ومهمازه المفضّل في هزيمة الثورة الخضراء التي قادها مير حسين موسوي عام ٢٠٠٩، وها هو اليوم يُشطب من قائمة المرشّحين مع الآلاف بقرار صادر عن مجلس صيانة الدستور، وتنحصر المنافسة بين ستة مرشحين ، وكان أحمدي نجاد قد تطاول على مقام المرشد، وتخيّل أنّه يستطيع ممارسة حقه كـ " مواطن". وكأنّه يضع الولاية كلها محلّ مراجعة وإعادة نظر على أبواب مرحلة حاسمة مع انتقال المرشد إلى الرفيق الأعلى، وللّه في خلقه شؤون.