كتب الكثير، وسوف يكتب أكثر، عن الأسباب الاقتصادية والسياسية التي دفعت الاميركيين في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين الى اختيار رجل مثل ترامب
 

منذ انتخاب دونالد ترامب الرئيس الخامس والاربعين للولايات المتحدة، يتساءل ملايين الاميركيين الذين عارضوه، ومئات الملايين في العالم الذين صدمهم انتخابه، ولاحقاً تصرفاته الغريبة والمشينة: كيف يمكن ديموقراطية عريقة انتخاب رجل يفتقر الى الخبرة السياسية، وله تاريخ علني كرجل أعمال حافل بسلوك أقل ما يقال فيه إنه أثار الكثير من الجدل حول اخلاقياته وصدقيته؟ انتخاب ترامب وسجله حتى الان وفّرا مادة سخية لاعداء أميركا للتمتع بالاستقطابات السياسية والاجتماعية التي عصفت بالبلاد، وبالخلافات والتوترات التي هيمنت على علاقات أميركا بحلفائها التقليديين بدءاً بجارتها المكسيك، ومروراً بدول الاتحاد الاوروبي، وانتهاء باليابان. في المقابل يعاني أصدقاء أميركا وحلفاؤها اكتئاباً عميقاً لانهم للمرة الاولى منذ سبعين عاماً يتعاملون مع أميركا مختلفة عما عهدوه.

كتب الكثير، وسوف يكتب أكثر، عن الأسباب الاقتصادية والسياسية التي دفعت الاميركيين في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين الى اختيار رجل مثل ترامب ليقود بلادهم في الفترة التي يفتقر فيها الغرب الى قيادات قوية، باستثناء المانيا، وفي وقت يهيمن القادة المتسلطون على مناطق جغرافية هامة، مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوروبا، والرئيس الصيني شي جين بينغ في شرق آسيا، والمرشد الايراني علي خامنئي والرئيس التركي رجب طيب اردوغان في الشرق الاوسط.
البعض في الداخل والخارج تساءلوا عما اذا كان يمكن الديموقراطية الاميركية ان تكبو كبوة تاريخية تتعرض فيها المؤسسات الشرعية والحريات العامة لتقويض تدريجي نظراً الى النزعات التسلطية لترامب. ومع ان هذا التصور القاتم لأميركا مبرر الى حد ما، لأنها خلال الحقبة الماكارثية في خمسينات القرن الماضي شهدت هجمة داخلية ترهيبية قادها السناتور جوزف ماكارثي باسم مكافحة الشيوعية أدت الى تهديد الديموقراطية الأميركية، فان هذه الديموقراطية لا تزال بعافية وقادرة على المقاومة.
وخلال الشهرين الماضيين، نجح القضاء الاميركي المستقل في إلحاق هزيمتين بقرارات ترامب المتعلقة بحظر دخول رعايا سبع دول ذات أكثرية مسلمة. كما نجح الاعلام الحر في كشف علاقات بعض مساعدي ترامب بروسيا، الامر الذي ارغمه على اقالة مستشاره لشؤون الامن القومي مايكل فلين. ويوم الاثنين، حدث ما لم يحدث في تاريخ البلاد عندما كشف مدير مكتب التحقيقات الفيديرالي جيمس كومي وجود تحقيق رسمي في تدخل روسيا في الانتخابات واحتمال ضلوع مسؤولين في حملة ترامب في ارتكاب أعمال جنائية اذا ثبت تورطهم في التدخل الروسي. وعندما نفى كومي باسم مكتبه ووزارة العدل صحة ادعاءات ترامب أن سلفه الرئيس اوباما قد تجسس عليه، فانه عملياً كان يقول إن ترامب رئيس كذاب. الديموقراطية في أميركا لا تزال بعافية.