متغيرات سياسية عدة فرضت نفسها كانت سببًا في مواقف الراعي الأخيرة تجاه حزب الله ما هي هذه المتغيرات؟ كيف سيكون شكل العلاقة القادمة بين حزب الله والراعي مستقبلًا؟
 

لا يمكن فهم الموقف المفاجىء لبطريرك الموارنة في لبنان بشارة الراعي خارج سياقه الإقليمي والدولي، الراعي الذي أعاد ترسيم الحدود بين سلاح حزب الله وبين البطريركية المسيحية بدا في موقع جديد تمامًا عن تموضعه منذ 5 سنوات إلى اليوم.

لكن لماذا؟
فالرجل كان واضحًا حين وصل إلى كرسي البطريركية المسيحية الأهمّ في الشرق، بالممارسة السياسية، مؤكّدًا كلّ يوم أنّه لا يشبه أبدًا سلفه نصر الله صفير في الموقف السياسي، صفير الذي كان عرّاب 14 آذار.
بدا الراعي أقرب إلى 8 آذار، هو الذي منذ وصوله إلى منصبه الجديد، كان صريحًا في إعتبار الربيع العربي "إبادة شعوب وليس مطالبة بالديمقراطية"، وفي 8 أيلول 2011 قال من فرنسا: "عانينا نحن من النظام السوري، لا أنسى ذلك، لكن أريد أن أكون موضوعيًا: الأسد بدأ سلسلة من الإصلاحات السياسية، ويجب إعطاؤه المزيد من الفرص للحوار الداخلي ولدعم الإصلاحات اللازمة تفاديًا لأعمال العنف والحرب"، ووجه كلامه يومها بعاصفة مسيحية وإسلامية، في ذروة التعاطف الشعبي مع المأساة السورية، وكانت قمّة إنحيازه إلى محور الأسد – إيران خلال زيارته التاريخية إلى دمشق بتاريخ 9 شباط 2012، في عزّ انطلاقة الثورة السورية وبطش بشّار الأسد وحزب الله بها وبالشعب السوري.
لكن ما الذي جرى حتى يخرج الراعي الأسبوع الفائت، خلال مقابلة مع قناة فضائية دولية، تابعة للإمارات، هي "سكاي نيوز عربية"، معلناً مواقف مختلفة من سلاح حزب الله وتدخّله في سوريا، واقفًا على الضفة المقابلة له؟

إقرأ أيضًا: 3 تراجعات لعون في 10 أيّام

 

ثلاثة متغيّرات حتّمت على الراعي تبديل موقفه:
الأوّل هو وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. الرجل الأشقر الذي ينظر إلى "الإرهاب الشيعي" تمامًا كما ينظر إلى "الإرهاب السنّي". والذي قرّر أن يقصقص، أو على الأقلّ أن يشذّب، أظفار إيران وميليشياتها في الشرق الأوسط.
الثاني هو إستشعار الراعي بداية نهاية الحرب السورية، مع ما يسبق ذلك ويلحق به من تسويات ستقترب من جعل سوريا منزوعة السلاح الأجنبي، خصوصًا في ظلّ التنسيق الروسي الأميركي والروسي التركي، وسط إجماع على تخفيف الدور الإيراني هناك.
والثالث وهو الأهمّ، الإشارات الدولية والإقليمية الواضحة، التي تشير إلى احتمالٍ كبير، هو الأكبر من نوعه منذ العام 2006، لأن تشنّ إسرائيل حربًا على حزب الله، و"على لبنان كلّه"، بحسب تصريحات قادة سياسيين وعسكريين. وما زاد الطين بلّة هو تصريحات رئيس الجمهورية ميشال عون من مصر، عن أنّ "سلاح حزب الله يحمي لبنان" وأنّ "الجيش اللبناني ضعيف".
هي ثلاثة متغيّرات، أبرزها "الفاول" الذي ارتكبه عون في مصر، وجعل قادة محلّلين إسرائيليين يدعون إلى ضرب "الدولة والشعب" اللبناني، وليس فقط حزب الله ومناطقه، وللمرّة الأولى منذ تأسيس دولة إسرائيل، بدا أنّ المسيحيين "في عين العاصفة الإسرائيلية"، بعد تصريح عون. وربما لا تكون مناطقهم محيّدة، ولا قياداتهم، ولا مصالحهم.
فما كان من الراعي إلا أن خرج معلنًا أنّ حزب الله "أحرج اللبنانيين وقسّمهم لدى دخوله إلى سوريا، من دون أن يقيم وزنًا لرأي الدولة اللبنانية، وهناك إنقسام حول مشاركته في الحرب السورية بين مؤيّد ومعارض"، وأضاف الراعي: "لا يمكن قول شيء قاطع في خصوص سلاح حزب الله، حزب الله الآن هو جزء من الحياة اللبنانية، هو حزب سياسي مع أسلحة، موجود في البرلمان والحكومة والإدارة، وهناك مواطن يتساءل لماذا شريكي مسلّح وأنا لا وهذا أمر ويحتاج إلى درجات من الحلول".

إقرأ أيضًا: قوّة الحريري.. في ضعفه
المسيحيون في عين العاصفة الإسرائيلية الراعي يريد تحييدهم، إبتعد قليلًا عن سلاح حزب الله، ربما يحتمي من العاصفة الترامبية الآتية على الشرق الأوسط، ربما يترك مسافة من الطرفين في لبنان على أبواب التغييرات الإقليمية.
الراعي لم يغيّر موقفًا سياسيًا محليًا، هو يوضح موقف المسيحيين في لبنان من المشهد الإقليمي والدولي الجديد، ويعلن أنّ عون ليس هو الناطق الرسمي باسم المسيحيين، بل بطريركهم، وهو يؤكّد أنّ المسيحيين ليسوا حلفاء "الميليشيات الشيعية" التي قرّر ترامب محاربتها، تماما كما أوضح مرارًا موقفه من "الإرهاب" (السنّي)، والذين "همسوا" في أذنه، يعرفون جيّدًا أنّ الأشهر المقبلة لا تحتمل الألوان الرمادية، فالعاصفة تقترب، ولا مصلحة للمسيحيين أن يكونوا وقودًا بين نارين.