يبدو أنّ العنف المستشري في عالمنا العربي أسهم في إيقاف العقل العربي وتجميد مناطق التفكير فيه، ويبدو أن مسؤولية الإسلام السياسي والجهادي كبيرة في هذا المجال باعتباره التيّار السائد في النُخب السلطوية والذي يقود مرحلة كاملة من تاريخ أمتنا بطريقة وعظية وعنفية إلغائية في القول والدور والممارسة .
على وقع الحروب في العراق وسورية واليمن وليبيا جاء معرض الكتاب العربي في البيال فارغاً من أيّ كتاب غير تسويقي وغير مرتهن للحظة الحدث بالمعنى التقريري كاستباق لمادة تجارية لا كمادة تحليلية للأحداث التي أوقعت الأمّة في فتنة جديدة ونبشت قبور فتنتها القديمة لتكتمل فصول المشهد السياسي لدول تتنازع على السلطة بأسماء المذاهب الدينية .
أكثر ما يُدهش في المعرض هو الحضور الكثيف لدور النشر السوري والذي لم يقدّم جديدًا سوى الاعتماد على رجال دين النظام لإظهار إسلامٍ تقليدي يهتم بالوظائف الدينية مع عناوين ثابتة في النشر السوري الذي أصبح يخضع لرقابة ذاتية بعد أن تعلّم من الأجهزة المختصة سياسة المسموح والممنوع . للأسف لم نجد سفراً واحداً يعالج بجدية الحرب السورية من قبل سوريين موضوعيين غير مؤلفة قلوبهم وضمائرهم ومن غير المتصيدين بالدماء السورية .
لقد راوحت مكانها دور النشر الخليجية فقد حرصت كعادتها على تقديم التراث الوطني لدول الخليج مع بعض التلوين القصصي لكتاب أساسيين  وآخرين صاعدين طريق الشهرة غير الإبداعية والملتزمة بشروط الكتابة الكلاسيكية بما لا تثير الكثير من الجدل السياسي والاجتماعي في بلدان حُبلى بمشاكل تحتاج إلى تفكيك أسبابها ومعالجة نتائجها وفق أصول نقدية ملتزمة بخدمة المجتمع لا بلتبية حاجة السلطة .
لم يكن غياب المغرب العربي عن المعرض إلاّ توسيعاً لرقعة الفراغ المعرفي لغياب المشاركة الكاملة لدور نشر بلدان المغرب العربي وبالأخصّ دور نشر دولة المغرب الذي ورغم حظر المراقبة كان يضيف على معرض الكتاب العربي الكُتب التي تطرح وبقوّة إشكاليّات في التراث وفي الحداثة، وتم اختزال المساهمات الأساسية لدول المغرب العربي بحضور خجول لدور نشر الجزائر المُقيّد والذي ينظر إلى الوراء ولا ينظر إلى الأمام .
كان دور النشر الفلسطيني متلبساً قمصان غسان كنفاني وكأنه يؤرّخ مجد ثقافته دون أن يتقدم خطوة واحدة باتجاه إعادة الإنتاج الثقافي ليؤكد أزمة القضية الفلسطينية في الدم والحبر وعدم قدرتها على استكمال ما بدأه روّاد الثقافة الفلسطينية  من نهضة أدبية وفكرية كان لها الأثر الكبير على القضية الفلسطينية وعلى الثقافة العربية .
كان الأتراك والإيرانيون يستعرضون مهارات شكلية في الكتابة المباشرة  في دور نشرهم بحيث لم نجد في أكشاكهم ما يعكس حيوية البلدين في المجال الفكري والمعرفي أو ما يؤكد سيطرة مفاهيمهم على التراث والتاريخ العربي .
المصريون كانوا باعة الثقافة العربية دون أن يكون لهم كاتب جديد يلاقي الكتاب الأوائل من جيل النهضة إلى جيل الثورة، ولم تستطع أن تقدّم نموذجاً من نماذج الجيلين وكأن الربيع العربي المصري عاجز عن الوقوف في المشهد الثقافي .
مازال الفارابي مُصِرًّا على طباعة التراث الماركسي رغم أنّ سوقه كاسد ولا جديد يعتريه فهو يعيد طباعة عناوينه في إحياء مملّ لأدب سيطر على الواقع العربي وغادره منهزماً نتيجة انتكاساته ومن ثمّ ودّع المشهد الثقافي بعد سقوط الاتحاد السوفياتي الذي أنهى مرحلة ثقافية من البناء الاشتراكي .
هو الآخر تراجع كثيراً فما عاد  دور النشر اللبناني يعتمد نفس  المعايير التي كانت سائدة وبات يعتمد أكثر على السياسة التجارية والكسب السريع ومطاردة الرائج في سوق يتدنى مستواه باستمرار .
ثمّة حاجة ملحّة إلى استنهاض الكتابة العربية كي تعود من جديد إلى مواقعها المتقدمة وهذا ما يحتاج إلى نضال فعليّ لتغيير الاتجاهات السلطوية باعتبارها الأداة المحركة للعقل العربي ودون ذلك سنشهد المزيد من التجهيل داخل الكتب والمكتبات والمعارض .