إن التاريخ تراث وهذا التراث يتوارثه جيل بعد جيل عن آخر وقد ينقل لنا التاريخ واقعة ما ،بناء على ظروف سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو دينية لذلك العصر تجعل من ذلك الحدث يتغير شكله ومضمونه كليا نحو الأسوأ أو نحو الأفضل بحسب ظروف ذلك العصر ، وعندما ينقلون لنا قضية ما فعلينا أن نضعها في ميزان العقل أولا ولا تشدنا إليها عاطفتنا وانتماؤنا المذهبي لها ﻷنها تخدم المذهب على حساب الحقيقة !

إذ علينا أن نسأل من الذي نقلها ؟ وهل الناقل من الموثقين ؟ أم أنه ليس كذلك ؟ وإذا كان الناقل ثقة فهل مضمون الرواية يتوافق والعقل أم يتنافى معه ؟

وهكذا علينا أن ندرس التاريخ كما ندرس أية مادة قابلة للخطأ أو الصواب وأن لا ندخل في قداسة التاريخ والتعبد به ، فالتاريخ ليس مقدسا ،ففيه الشريرون والخيرون وفيه الكاذبون والصادقون كما عندنا خيرون وشريرون وكاذبون وصادقون.

علينا أن نحاكم التاريخ من خلال المتن كما كانوا يقولون "توثيق الصدور من خلال المضمون" .

يقول الدكتور علي شريعتي وبحكم تخصصه في مادة التاريخ : " أن هذا التاريخ كتب مقلوبا ".

(بين قوسين،السيد الكشميري ص108 _ 109).

الملاحظ عند قراءة التاريخ الشيعي وأحاديث أهل البيت عليهم السلام وبين الأحاديث الموضوعة المنسوبة إليهم كذبا ، وذلك من خلال عرضها على القرآن الكريم وعلى الأحاديث الصحيحة الثابتة ،والتأكد منها من خلال دراسة سندها ومعرفة رجالها وإمكانية التعرف على الكذابين والوضاعين والغلاة وإسقاط رواياتهم ... وكذلك من خلال المقارنة التاريخية ، على الرغم من ذلك فإنه مع الأسف الشديد غلب التقليد على بعض علمائنا الذين تأثروا بالمتكلمين وآمنوا بأفكارهم الباطلة ، فاستساغوا الروايات الضعيفة الكاذبة ولم يأبهوا لضعف سندها وانحراف رواتها ،ولم يتعبوا أنفسهم كثيرا في دراسة تلك الروايات من جوانبها المختلفة تحت حجة أنها ضرورية وبديهية ومسلمة ،كما أغمضوا أعينهم عن قراءة التاريخ ، وراحوا يشيحون بوجوههم عن الحقائق البارزة ويحاولون إنكارها أو تأويلها أو إهمالها ... وراحوا يصرون على التشبث بنظرياتهم الفلسفية البعيدة عن أهل البيت عليهم السلام .

ودأب بعض العلماء المجتهدين في الفقه والأصول والمقلدين في موضوع العقيدة والتاريخ على ادعاء "الاجتهاد المطلق" ومعرفة أسرار الدين ،فضلوا وأضلوا .

يجب تولية التاريخ الشيعي العقائدي أهمية كبرى لدى المجتهدين والمراجع ، ليقوموا بدراسة الروايات وتصفيتها من الدخيلة والضعيفة والموضوعة ،ثم المقارنة بين الأحداث التاريخية وتفسيرها تفسيرا علميا صحيحا ،بلا تأويل تعسفي ولا إنكار أولي ،لأن الأحداث تم التلاعب بها وأن الأمور غير ما هي عليه واقعا .

الواضح لكل منصف أن هذا التاريخ الذي نسمعه ونتوارثه يحتاج إلى جهود جبارة لاكتشاف الصحيح منه ولكن ولأننا نعيش في الحاضر فيجب علينا ألا نستغرق في التاريخ من دون أن نطل على الحاضر .

لقد حصلت في التاريخ الإسلامي اهتزازات استقام فيها وانحرف فيها من انحرف ، لذلك فإن الله من خلال كل آيات القرآن يريد أن يقول لنا إن دوركم في التاريخ عندما تقرأونه أو تسمعونه هو دور العبرة ودور الإنسان الذي يدخل المدرسة ليتعلم فيها وليطبق ما تعلم عندما يخرج منها إلى ساحة العمل ،ولعل أبلغ تعبير عن ذلك ما جاء في قوله تعالى : {لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب}(يوسف : 111) فالإنسان العاقل هو الذي يقرأ التاريخ لا ليغيب في تفاصيله ولكن ليأخذ العبرة والدروس عندما يريد أن يصنع تاريخا جديدا ،والقاعدة الإسلامية في معنى التاريخ وموقف الإسلام من التاريخ هي قوله تعالى : {تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسئلون عما كانوا يعملون}(البقرة :134).

لذا يجب علينا ألا نقع في وحول التاريخ ، بل يجب أن ننطلق منه ليستقيم خطنا وطريقنا ونستفيد من عبر الماضين لبلورة مفاهيمنا التي تعكس أفعالا في سلوكنا و مستقبلنا !

للأسف إننا أدخلنا عصبياتنا وأهواءنا وقناعاتنا الشخصية في تلوين وتشكيل التاريخ !

وأعتقد أن المشكلة الكبرى التي تحول دون التوصل إلى اجتهاد سليم واستنتاجات دقيقة هو التشبث بالعقائد التقليدية الموروثة .