ليس هناك من جديد في وقائع الكارثة الدائمة والمتمادية يستيقظ اللبنانيون مرة اخرى على انهم في غابة وليس في وطن، في مجاهل تسرح فيها الوحوش لا في بلد تعمل فيه دولة ومؤسسات! ليس هذا بجديد فقد سبق للبنانيين أن استيقظوا مراراً على الفظاعات وعلى نهش لحم المواطن في غياب القانون وانعدام المسؤولية، وعادوا دائماً الى القرف والاستسلام، بعدما غلبتهم الطائفية المتحالفة مع الفساد وعصابات الفاسدين المتلطية بالسياسة وطغيانها الأخرق وبالطائفية وحرماتها وبالإثنتين معاً! إنهار البلد وتداعت هيبة القوانين وصارت السلطة دكاكين عند السلاطين، وباتت الدولة ومؤسساتها كروماً سائبة على دروب كثيرة، واستفحل الحرام فلم يعد الفساد عيباً ولا السرقة نقيصة ولا الغش حراماً ولا الاستغلال رخصاً. بات هذا سلوكاً طاغياً على المستويين الرسمي والشعبي، لنقل انها ثقافة المزرعة او الغابة، ولم يعد القوي وحده يأكل الضعيف فالضعفاء يأكلون بعضهم بعضاً ايضاً، وصار سائباً في السياسة وفي الأمن وفي المسؤولية وفي القانون وفي المحاسبة وفي العقاب وفي الثواب، فسادت ثقافة الحرام وصار الحرام حلالاً! هل اكتشف وائل ابو فاعور البارود، لا لم يكتشف البارود؟ لكنه أشعل الفتيل الذي سبق ان أُشعل مراراً في الماضي فسارعت إطفائيّات السياسة والمذاهب الى إطفائه دائماً. أوليس هذا ما يجري الآن؟ يكفي ان نستمع الى بعض الوزراء الميامين يحاولون تنفيس الحملة على الفساد، وبعضهم يقول ان الوضع عندنا افضل مما هو عليه في احسن الدول الراقية، أولم تسمعوا هذا الهراء؟ هل الحديث عن تلوّث المياه جديد؟ منذ ثلاثين عاماً والتلوّث يضرب مياه لبنان، ولم يتوقف حفر "الجور الصحية" فوق الآبار لتتسرب مياه مراحيضنا الى الينابيع فنعود ونشرب. هل تحركت وزارة، هل انتحر مسؤول، هل سُجن مجرم... "كبّر عقلك" أوليس هكذا نقول يأساً واستسلاماً؟ العام الماضي غرق الناس في نفق المطار لأنها امطرت، يجب ألا يهطل المطر في لبنان. قيل يومها ان المضخات معطلة ووعدوا بإصلاحها. يوم السبت غرق النفق وغرق المطار ايضاً وقالوا إن المضخات تعطّلت، تصوروا ان هناك شركة خاصة للمضخات تأكل من الدولة التي تضخّ علينا الأكاذيب. أيها اللبنانيون، تأكلون الجراثيم صحتين، تشربون السموم صحتين، لكن ليس امامكم سوى امرين: إما ان تحزموا حقائبكم وتهربوا من الوطن المستنقع، وإما ان تحزموا أمركم وتنسوا الطائفية والمذهبية والانقسام السياسي والحزبي، وتنزلون الى الشارع، فقد آن أوان معاقبة كل عصابات السرقة والفساد، وتذكّروا انكم تأكلون الرغيف المغشوش الواحد وتشربون المياه الملوثة الواحدة... وفي المسلخ ايّاه تذبحون كنعجة واحدة!