المناسبة: فتحت النهار باب الحوار الوطني على صفحاتها فوجهت تسعة اسئلة تشكل الإجابة عليها رؤية عن الوفاق الوطني المطلوب وقد وجهت هذه الاسئلة إلى شخصيات وفاعليات لبنانية سياسية ودينية واقتصادية واجتماعية. ومن الذين وجهت اليهم هذه الاسئلة سماحة الإمام السيد موسى الصدر فأجأب عنها خطياً

*أي مستقبل ترى للبنان في المدى القصير وفي المدى الأطول؟ 
- الواقع ان الصراع الدائر في الساحة اللبنانية لا ينحصر في أبعاده المحلية ولا حتى ضمن الصراع العربي – الاسرائيلي، والعربي – العربي فحسب، بل أنه يتأثر بالصراع المستعر بين الجبارين، لذلك فمن الصعب جداً ان يستشف الإنسان آفاق المستقبل البعيد والقريب ايضاً
كل ذلك إذا بقيت الأجواء كما هي والإرادة اللبنانية الواحدة غائبة، بالتالي إذا بقي لبنان في حال انعدام الوزن بسبب الخلافات المستمرة
أما إذا تم الوفاق الوطني ودخلت الإرادة والرؤية اللبنانيتين في الساحة، فإن المستقبل يصبح حتى في أبهى صوره رهن أيديهم
لا يمكن ان نكون قدريين فالتاريخ لا يقبل لنا ذلك ولا الإيمان مصدر العقل المبدع ولا القلب الدافئ يسمح به

* هل ترى وفاقاً وطنياً آتياً في السنة 1978؟ 
- نعم سيبدأ الوفاق في هذه السنة حتماً، لأن البديل هو الإنهيار، خصوصاً للشرعية وللوحدة ولمعادلات المنطقة. وبالتالي فإن هذه العناصر المهددة هي للبدء بالوفاق، ولا بد أن نضيف إليها عنصر المواطن الذي لا يمكن ان يقبل

* ما مدى ارتباط هذا الوفاق في رأيك
‌أ- بتسوية أزمة المنطقة؟ 
‌ب- بالوجود الفلسطيني في لبنان؟ 
‌ج- بوجود "قوات الردع العربية"؟ 

- في رأيي ان هذه العناصر الثلاثة تفقد فاعليتها مع إرادة الوفاق النابعة من اقتناع المواطن وإراداته. بل ستصبح آنذاك عوامل مساعدة للوفاق مقربة للمواطنين بعضهم إلى بعض
ومن الطبيعي ان غياب الإرادة الوطنية يجعل الأزمة معقدة ومستعصية حتى مع تغير في هذه العوامل وتحويلها، إذ ان هذه المنطقة ستبقى دائماً كما كانت منذ القديم حافلة بعوامل الصراع والتفجر

* ما هي في رأيك الأسس التي لا بد ان يقوم عليها الوفاق والتي يمكن ان تجمع عليها كل الأطراف اللبنانية؟ 
- يجب، في تصوري، عند البحث، عن الأسس المطلوبة، ان يوضع حلان للوفاق، أحدهما لمعالجة التشنج والرواسب التي خلفتها الحرب ولتخفيف التحديات ومحاولات الزعامات تسجيل الإنتصار ولإعادة الأعصاب والمصالح والعقول إلى طبيعتها، هذه المعالجة تأخذ في الاعتبار ايضاً تلك الدوافع والإثارات التي تتسرب إلى الوطن من مختلف الأطراف
أما الثاني، فالصورة الصحيحة للمجتمع اللبناني المتناسب مع طموحات أبنائه وتاريخهم وتنوع آرائهم وأحاسيسهم، هي صورة تعتمد إلى جانب التجارب العالمية الحية، تاريخ الوطن وجغرافيته، إضافة إلى كونه أرض العمالقة إذا انكفأ أهله على أنفسهم يموتون في سجن وطنهم. أرض أصغر من أبنائها، ولذلك فأنهم في حاجة إلى مساحات عريضة تكون ميادين عطائهم وإبراز كفاءاتهم. ولذلك يختلف منطقهم عن منطق الاستعمار
إن الأسس العالمية لبناء المجتمعات والتجارب الحية هي متوافرة لنا والكل يعرف تاريخ الوطن ولا نحتاج إلا إلى حوار هادئ وموضوعي وبناء

* هل تعتبر ان الميثاق الوطني للعام 1943 تخطاه الزمن أم أنه لا يزال منطلقاً صالحاً لوفاق وطني؟ 
- إن الميثاق الوطني للعام 1943 هو هدنة أكثر منه ميثاقاً. انه ترجمة لتعايش مارسه اللبنانيون منذ مئات السنين ولم يكن صيغة. إنه إرادة اللبنانيين الطيبين جميعاً على أن يعيشوا معاً وعلى أن يضعوا في ما بعد ميثاقاً يحدد واجبات كل فرد تجاه الآخرين وتجاه الوطن وحقوقه، وذلك الأمر الذي لم يحدث، بل أُجِّل حتى الآن
ان الميثاق هذا لم يزل يصلح لأن يكون مدخلاً إلى الميثاق الحقيقي وباباً للصيغة المطلوبة. وبتعبير السؤال إنه يصلح أن يكون منطلقاً للوفاق

* من يملك الحق، في تقرير المستقبل اللبناني
‌أ- النواب؟ 
‌ب- الأحزاب؟ 
‌ج- التنظيمات التي أفرزتها حرب السنتين؟ 
‌د- رؤساء الطوائف المختلفة؟ 
انني أفضِّل الأسلوب الأخير. استفتاء شعبي على أن يقرّه مجلس النواب ضمن قانون يعدل بموجبه الدستور ويضيف إليه الاستفتاء
أما الأساليب الأخرى، فالواقع ان التطورات الحادة التي حصلت في السنوات الأخيرة لا تدع مجالاً لاعتماد الأول (النواب)، أما الأحزاب فعلى رغم تمثيلها النسبي فإن قطاعات كبرى من الشعب كانت ولم تزل خارجها. وهذه المشكلة موجودة بقوة في الأسلوب الثالث. أما الرؤساء الروحيون، فإنهم يمثلون وجهاً آخر من وجوه العلاقات الاجتماعية يختلف عن الصلات القانونية أو المدنية
إن قوة الاستفتاء يجب توفيرها لمبادرات الرئيس الوفاقية خصوصاً أن الرأي العام لم يكن يوماً أحوج منه إلى التعبير المباشر عن نفسه

* لقد عبر رسميون وغير رسميين عن رفضهم لمشاريع توطين الفلسطينيين، فما الحل في رأيك، لمسألة الوجود الفلسطيني في لبنان
‌أ- تطبيق الاتفاقات المعقودة بين الحكومة اللبنانية والمقاومة الفلسطينية (القاهرة، ملكارت، شتورة، الرياض)؟ 
‌ب- إنهاء الوجود الفلسطيني المسلح؟ 
‌ج- إعادة توزيع الفلسطينيين على الدول العربية في ضوء مساحة كل منها وإمكاناتها في انتظار أيجاد حل لازمة المنطقة وللمشكلة الفلسطينية برمتها؟ 
حلان يجب اعتمادهما في هذه النقطة ايضاً
حل سياسي وهو عودة الفلسطيني إلى موطنه. وبتعبير أدق هو إعطاء الفلسطيني الهوية الفلسطينية وإقامة وطن له. أما الثاني ففي التعاون التام لبسط الشرعية والسيادة اللبنانيتين على كل الأراضي اللبنانية. أما الحلول الأخرى فإنها افتراضات او تمنيات او ردود فعل آنية

* إذا لم تُجْمِع الأطراف اللبنانية على رأي بالنسبة إلى مسألة الوجود الفلسطيني، فأي مخرج تراه من هذا المأزق
أ‌- طرح المسألة في استفتاء شعبي تشرف عليه الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية؟ 
ب‌- اعتماد نوع من اللامركزية لا ينتقص من وحدة لبنان أرضاً وشعباً؟ 
- لا حاجة إلى طرح هذه الافتراضات، فاللبنانيون إذا اجتمعوا لا ينقصهم شيء في حقل الرؤية ولا الإرادة ولا الأداة المطلوبة. ولا يجوز وضع شروط داخلية او خارجية للوفاق ما دام بين المواطن وأخيه. فالشروط تنبثق عادة من رؤية استراتيجة، وهي لا تتوفر قبل الاتفاق في الرأي الذي يحتاج بدوره إلى وفاق وطني.

* لقد سبق لمجلس النواب ان مدد ولايته سنتين، وثمة مشروع لتمديدها سنتين آخريين (وجه هذا السؤال قبل تمديد المجلس ولايته). هل تؤيد هذا الاتجاه وهل ترى له ما يبرزه بعد وهل الديمقراطية مصونة فيه؟ 
- لقد قيل عن هذا الحل انه الحل الأسوأ لكنه الوحيد، وها قد مدد المجلس لنفسه عمراً ثانياً. وإذا لم نجد حلاً آخر للوضع النيابي، فلا مجال للنقاش. إنني اطرح صيغة أخرى قد تكون صالحة وممكنة تكون الباب الأوسع لتمثيل الشعب اللبناني
ذلك الحل يعتمد على موافقة مجلس النواب على الاستفتاء العام الذي تحدثنا عنه في السؤال السادس إذ يطرح لإقرار تفاصيل الصيغة، حلاً تنفيذياً مؤقتاً، ما دامت الانتخابات لا يمكن إجراؤها. ومع نجاح الاقتراح في عملية الاستفتاء فإنه يأخذ الصيغة. والإقتراح ان يضاف إلى النواب الحاليين، جميع النواب السابقين الذي مثّلوا الشعب في مرحلة معينة من الزمن وهم في الغالب يمثلون قطاعات واسعة من الشعب اليوم
إن القانون خصص لهم الرواتب، فيلكلفوا مع استحالة إجراء الانتخابات مهمة التمثيل الشعبي لكي يكون الواجب في مقابل الحق. وقد أجرينا تدبيراً جزئياً في منطقة القاع، عندما كانت الأحداث في أوجها وكانت شعارات الإدارة المحلية وحكومة الظل وغيرها مرفوعة. فتشكلت هيئة وطنية لإعادة المؤسسات الشرعية ودعمها مؤلفة من النواب الحاليين والسابقين. وعلى رغم ما يوجد من صعوبات في هذا الإقتراح، فإنه يخرج المرء من الوقوف أمام الباب المسدود.