جاءت الدعوة الربانية برسالة مفهومة الأهداف والأبعاد رسالة لا تحتاج الى جهد وكثرة معاناة لفهمها إنها الرسالة القائمة على الإيمان وصيانة موقعية الإنسان من الفساد والشر بكل أشكاله رسالة تقول للإنسان قبل كل شيء يجب أن تعرف أنك في هذه الدنيا أمام تحدٍ مع محب لك وهم الملائكة ومع عدو لك وهو الشيطان. فالملائكة حين أخبرها الله عن خلق الإنسان واستخلافه في الأرض قالت : أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون ... وكأن الملائكة من خلال هذا الإستفهام والإستهجان وضعت نفسها بديلاً عن المخلوق البشري الجديد لأنه بحسب اعتقادها لن يتمكن من القيام بمهمة الطاعة والإنقياد لأوامر خالقه بحسب مركباته التكوينية عقل وغريزة. هذا هو التحدي الأول فالملائكة إذاً تقول : إن الإنسان لن يتمكن من الطاعة والإنقياد لأوامر خالقه وسيفسد في الأرض وسيسفك بعضه دم البعض الآخر ومع هذا التوقع الذي أبدته إلا أنها سلمت بحكمة الله تعالى والتزمت أمره وقالت في نهاية المطاف سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا وكان هذا الموقف من الملائكة بعد أن أطلعها الله تعالى على أهداف الإستخلاف البشري في الأرض وقدرات هذا المخلوق على مواجهة نوازع الشر والفساد وأما التحدي الثاني فهو مع ابليس الذي طلب الله منه أن يسجد للمخلوق الجديد الذي سيستخلفه في الأرض فأبى ابليس وتكبر معتبرا أن هذا المخلوق هو أقل منه شأناً وفي النهاية أصر على المعصية لله وأعلن عن تحديه للخليفة البشري وأنه قادر على اغوائه وجره الى الشرك بالله وقيادته نحو المعاصي والفساد في الأرض. وبعد أن أسكن الله تعالى الإنسان في الأرض تكون قد بدأت معركة التحدي في امتحانٍ واختبارٍ يُقْدِمُ فيه ويحجم بملء إرادته واختياره ويترتب على نجاحه وفشله في عالم الآخرة إما فوز بجنة ينعم فيها أبدا وإما الخلود في نار يعذب فيها أبدا. والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا المقام : هل استطاع الإنسان أن ينجح في المعركة الواقعة على خطوط التماس مع الخير والشر أم أنه فشل في الإختبار ؟ والجواب : شريحة قليلة من بني آدم استطاعت أن تربح هذه المعركة فحققت انتصارها على الشيطان وكبحت شهوات النفس وجنوحها نحو الرذيلة وتفوقت في الطاعة والإخلاص لله على الملائكة فكان منهم الأنبياء والرسل والأولياء ومن تبعهم بإحسان. وأما السواد الأعظم من الناس فقد خسر المعركة بسلوكه الشيطاني وراح يفسد في الأرض ويلطخ نقاءها بسفك الدماء وظلم الأبرياء وتحطيم القيم الإنسانية وتعطيل الفطرة السليمة وعبادة الأوثان والأصنام وقد تحول هذا السلوك من سلوك فردي كالجريمة الأولى التي وقعت على هذه الأرض والتي تمثلت بقتل قابيل أخاه هابيل بسبب الحسد لتسري بعد ذلك الى الجماعات والشعوب والأمم في مختلف الأعصار والأمصار وصولاً إلى زماننا هذا الذي نشهد فيه أبشع أنواع الفساد والظلم والعدوان وسفك الدماء. وهذا كله على مستوى الإنسان بشكل عام بغض النظر عن لونه وعرقه وصفته وانتماءه ومنطقته وفي التفصيل نسأل : هل نجح أتباع الديانات السماوية في الإختبار والتزموا بأوامر ونواهي الرسالات السمحاء التي حملها الأنبياء إلى بني جنسهم أم أن هؤلاء أيضاً فشلوا في تجسيد القيم الإنسانية النبيلة وسلكوا طريق الشيطان ؟ هذا ما سنحاول القاء الضوء عليه في الجزء الثاني . نسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعاً لخير القول والعمل والحمد لله رب العالمين.