عاشوراء في أبعادها تتجاوز المأساة العاطفية والمحنة البشرية، إنها نموذج بأهدافها ومقاصدها وتفاصيلها وعظة بالغة من حيث نتائجها على مقاعد صفوفها تتعلّم الأجيال كل الأجيال، لتفتح أمامهم طرق النجاة والخلاص.
 

في أجواء الليالي العاشورائية كان لإذاعة صوت الفرح مقابلة مع فضيلة الشيخ حسين عليان أجراها الزميل إبراهيم الحسيني للإضاءة على عاشوراء ودورها في نفوس الشباب.

بداية كان الحديث عن مؤلفاته التي تعدّت السبعة إصدارات تنوعت فيها المواضيع بين فلسفية ودينية واجتماعية، وأوجد حلولاً وإجابات لتساؤلات كثيرة طرحت من قبل أصحاب الفكر البحثي.. 
ومن أهم مؤلفاته: بريء لماذا العقاب ـ عمري سنوات المحنة ـ عشاق الحرية ـ رسائل الحنين ـ عدالة الحاكم وغيرها الكثير.

 وهو مؤسس مجلة التنشئة التربوية للأطفال وله بصمة نشرت في العديد من الكتابات والمقالات في التربية الدينية والإجتماعية والسياسية في العديد من الصحف والمجلات اللبنانية والعربية.

وبالحديث عن الفرق بين عاشوراء الأمس وعاشوراء اليوم وكيف تتجلى مظاهرها، رأى سماحته بأنها مسألة تقرأ من خلال دراسة الجانب التاريخي حيث لا بد من التعرف على عاشوراء المدرسة التي تريد الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونصرة المظلوم وقول كلمة الحق والتربية الصحيحة وبناء الأسرة السليمة، واصفاً عاشوراء الأمس بالعهد الذهبي ولاشك أنه عهد مدرسي حيث شكلت هذه المدرسة مرجعية تعلمت أجيال من دروسها ولم تحصر بشريحة معينة من الناس وأيضا على مستوى السلوك لم تكن مخصصة لجهة معينة من الناس فحتى الذين لا يؤمنون بدين سماوي استفادوا من عاشوراء التي كانت مدرسة عظيمة لكل ثائر ومصلح.

وفي المقارنة بين الأمس واليوم قال سماحته أن عاشوراء اليوم دخلت فيها أمور غريبة عن الواقع قد تخرجنا عن المقاصد والأهداف الحسينية خاصة بعض المسلكيات غير الصحيحة وغير السليمة والتي تحتاج لتنظيم  للحصول على الإنسجام بين سلوكنا وأهداف الحركة الحسينية لنتمكن بالتالي من تحقيق الإصلاح والإستقامة المرجوة.

مظاهر عاشوراء يجب أن تتجلى اليوم في الوقوف مع المظلوم خصوصاً فيما يحصل في العالم العربي من سفك دماء وحروب عنيفة . هذا من حيث المبدأ أما على مستوى السلوك ظاهرياً وإقامة الطقوس والشعائر الحسينية فهي منتشرة في كل العالم وتقام شعائرها في مختلف أنحاء الأرض.

وعند سؤاله عن الإختلاف في الروايات والأحداث الجديدة التي تظهر كل سنة وبالتالي عن كيفية البكاء دون التأكد من صحتها رغم شفاعة وأجر هذا البكاء فأكد سماحته أن المتابع التاريخي يعرف بأن أحداث عاشوراء أرخت بعد زمن طويل من وقوع هذه المجزرة البشعة وحيث أدخل المحبون بعض المفردات الجديدة عن حسن نية وقد يكون صاحب القول شاعراً متحمساً كتب بعض الأبيات المميزة التي قد تتحول بعد مئات السنين إلى روايات كأنها حقيقة صدرت عن الإمام أوحصلت على أرض كربلاء وهذا ما يحتاج إلى تدقيق وتعريب الكثير من الروايات التي لا تخدم المسار الحسيني، أما على مستوى البكاء فرغم عظمة فضله إلا أنه لا يعبر منفرداً عن الإنتماء الحقيقي لمدرسة عاشوراء البكاء يحصل للإنسان نتيجة حزن وتأثر وبالتالي لا يكفي لتكون حسينياً الحسيني الحقيقي هو من يحمل قيم ومبادئ مدرسة عاشوراء والبكاء ليس هدفاً الهدف هو الإصلاح وتحقيق الإستقامة لاحظ مثلاً عمر إبن سعد بكى في كربلاء وهوقائد الحرب ميدانيا في كربلاء عظمة موقف السيدة زينب عليها السلام أثر به فبكى وبكاؤه لا يجدي نفعاً فهي مجرد مشاعر نتجت بسبب موقف معين لذلك أنا مع التركيز على الأهداف والمقاصد الحسينية التي تصنع في الناس ما أراده الإمام الحسين عليه السلام.

وفي سياق الحديث عن الشباب سُئِل سماحته عن مسألة رفع صوت الأناشيد عالياً في السيارات والتجول في أوقات قد تكون غير مناسبة فأكد أنها حماسة وإندفاع إلا أنها خطأ يجب معالجته ويجب أن لا تكون المعالجة بالطرق السلبية فهي لا تنفع وحيث أن مبتغى الإمام الحسين عليه السلام هو المحافظة على حياة الناس فهذه المسلكيات لا يريدها الإمام قطعاً فهي ورغم صدقها إلا أنها عاطفة ليست في مكانها الصحيح.
وعلى النحو نفسه سألنا سماحته عن مسألة الملابس النسائية التي درجت مؤخراً حيث لا يتناسب معظمها مع الإحتشام في المجالس وهي تلك التي تحمل عليها شعارات حسينية وما إذا كان استغلالاً للذكرى، فأكد أن هذه الأمور مرتبطة ببعضها كما المسألة السابقة مؤكداً على عدم المواجهة بسلبية وعدم التعرض لأي فتاة قد تكون صادقة طبعاً وأتت بكل إيمان للمجالس وعدم استخدام أي عبارات مسيئة مؤكداً على وجوب توفير الجو الثقافي الملائم للتوعية سيغير هؤلاء الفتيات إلى الأفضل ولو كان الأمر في البداية على مستوى الظاهر، طالباً من الإخوة والأخوات أن يتخلقوا دائماً بأخلاق الإمام الحسين عليه السلام.

أما على صعيد آخر ففي ظل وجود عاشورائيات للأطفال في المناطق والبلدات فكيف تكون الأساليب بسرد الأحداث العاشورائية للأطفال بطريقة لا تؤذي مشاعرهم فكان له وجهة نظر خاصة، حيث عمل في عالم محاكاة الأطفال مسافة طويلة من الزمن واستطاع النزول لمستوى الطفل والتعامل معه فقال فضيلته أننا بحاحة للإستعانة بمختصين تربويين للتعامل مع هؤلاء الأطفال بما لا يضر في ثقافة الطفل ويرعبه بل يكون التعليم عبر مراحل متتالية تبدأ من الآداب والأخلاقيات التي ضحى من أجلها الإمام الحسين ومع تقدم الطفل في السن تتطور الأساليب تدريجيا.
وفي ختام هذه المقابلة المميزة، وجه سماحة الشيخ حسين عليان كلمة للإخوة الحسينيين والأخوات الزينبيات حيث قال:" أيها الإخوة والأخوات عليكم بالثبات على نهج الإمام وآل بيته (ع) فانتم الأمل وعليكم المعول في الإصلاح والتطور، أناشدكم بإسم الحسين(ع) وبإسم كربلاء وبإسم الدماء الطاهرة أن تكونوا زيناً لأهل البيت وألا تكونوا شيناً عليهم، من خلال سلوككم وعلمكم وعملكم حيث يقع على عاتقكم بناء الوطن والأسرة والإنسان فأنتم الأمل وبدونكم لا مستقبل ولا حاضر ولا يمكن أن تبنى الحياة أنتم المصدر الحيوي لبناء المستقبل ولإزدهار الحياة لنفتخر ويفتخر بكم الإمام الحسين(ع) في كل الميادين".

وختم حديثه بشكر إذاعة صوت الفرح مشيداً فيها وبكل العاملين في أسرتها ونشهد لهذا المنبر ويشهد له كل متابع  وقال : هذه الإذاعة كان لها دوراً وطنياً وإجتماعياً مميزاً ودوراً رائداً في التوعية والإرشاد وسيبقى إن شاء الله وفي القضايا الوطنية كانت دائماً في الطليعة.