فرض الله تعالى على عباده الطاعة الهادفة الى تقويم النفس وتحقيق الإستقامة الباعثة على الرقي بالإنسان الى مرتبة يتجاوز في رفعتها حدود موقعية الملائكة ولم يطلب منهم عبادة شكلية يحقق الإنسان فيها الإمتثال المجرد عن ذلك
  المعنى الذي يتفرع منه ثالوث مترابط في وحدة الهدف ومتحد في نبل الغاية

وهو يقع في المحاور التالية:
1 ـ علاقة الإنسان مع ربه
2 ـ علاقة الإنسان مع نفسه
3 ـ علاقة الإنسان مع بني جنسه .

ولو أخذنا مصداقاً من تلك العبادات لنطبق عليها هذا التصور يتضح لدينا المراد من العبادة التي طلبها الله تعالى منا فنأخذ على سبيل المثال فريضة الصيام لأننا نعيش في أجواءه والإنسان بطبعه هو أقرب إلى التفاعل مع الحدث الذي يعيشه.
من يؤدي هذه الفريضة يكون مستجيباً لأمر الله ملتزماً بطاعته ولكن هذا الإلتزام يبقى ناقصاً إن لم ينعكس صفاء ونقاء وطهارة على النفس التي وقعت محور نجاح الإنسان ورسوبه في الإختبار والإمتحان الدنيوي فقال تعالى : وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) . فالطاعة هنا لا يكفي فيها شكلية الإمتثال لا بد من صدورها عن نفس طاهرة خلية من امراض الحقد والغيظ والنميمة والغيبة والكذب والغش والظلم والعدوان ومطلق أنواع الشر ولذلك نجد في السيرة النبوية أن النبي (ص) قدم الطعام لتلك المرأة التي سمعها تسب جارتها فقالت : إني صائمة يا رسول الله فقال : كيف تكونين صائمة وقد سببت جارتك ؟!
ومما قاله النبي (ص) في خطبة استقبال شهر رمضان : وَاحْفَظُوا أَلْسِنَتَكُمْ، وَغُضُّوا عَمَّا لا يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهِ أَبْصَارَكُمْ، وَعَمَّا لا يَحِلُّ الاسْتِمَاعُ إِلَيْهِ أَسْمَاعَكُمْ . وبناء على ما تقدم كيف يمكن لصائم أن يحقق المطلوب منه في هذه العبادة وهو يأكل لحم أخيه ويسفك الدماء ويزرع الفتن ويعتدي بيده ولسانه على الناس
وأما البعد الثالث للعبادة هو انعكاسها سلوكاً على العلاقة مع الإنسان وهذا المعنى نستفيده من جملة أدلة فنلاحظ مثلاً في قوله تعالى وهو يأمر عباده بالصلاة يقول : وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ . ونستفيد من هذا الأمر والتوجيه القرآني أن الله تعالى أمرنا بالصلاة الناهية عن الفحشاء والمنكر وليس الصلاة الشكلية.
وحول عبادة الصوم التي نحن في مقام الحديث عنها نرجع الى كلام النبي (ص) الذي يعلمنا على الصوم السلوكي فيقول : وَتَصَدَّقُوا عَلَى فُقَرَائِكُمْ وَمَسَاكِينِكُمْ، وَوَقِّرُوا كِبَارَكُمْ، وَارْحَمُوا صِغَارَكُمْ، وَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ . ويقول : مَنْ فَطَّرَ مِنْكُمْ صَائِماً مُؤْمِناً فِي هَذَا الشَّهْرِ، كَانَ لَهُ بِذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ عِتْقُ رقبة ، وَمَغْفِرَةٌ لِمَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِهِ. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَلَيْسَ كُلُّنَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ - صلى الله عليه وآله : اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشَرْبَةٍ مِنْ مَاءٍ . ويقول : وَمَنْ كَفَّ فِيهِ شَرَّهُ، كَفَّ اللَّهُ عَنْهُ غَضَبَهُ يَوْمَ يَلْقَاهُ، ويقول : أَيُّهَا النَّاسُ! مَنْ حَسَّنَ مِنْكُمْ فِي هَذَا الشَّهْرِ خُلُقَهُ، كَانَ لَهُ جَوَازٌ عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ الأَقْدَامُ.... 
لاحظ معي هذه التوجيهات التي اخترناها كشواهد على وجوب انعكاس العبادة على علاقة الناس بعضهم مع البعض الآخر فإنك ستجد أن الصوم حركة تفاعلية هادفة للإصلاح والتكافل وتمتين الروابط بين بني البشر . فلو طبق الصائمون هذه التعاليم لتمكنوا من بناء أرقى المجتمعات التي تنعم بالعدل والمساواة والمحبة والرحمة وعميم الخير والعافية... 
ثم أننا لو تتبعنا هذا المعنى لوجدناه في كل الأديان السماوية فقد جاء في الإنجيل قول المسيح (ع) عن عبادة الصوم : «وَمَتَى صُمْتُمْ فَلاَ تَكُونُوا عَابِسِينَ كَالْمُرَائِينَ، فَإِنَّهُمْ يُغَيِّرُونَ وُجُوهَهُمْ لِكَيْ يَظْهَرُوا لِلنَّاسِ صَائِمِينَ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ : إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ.
وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صُمْتَ فَادْهُنْ رَأْسَكَ وَاغْسِلْ وَجْهَكَ، لِكَيْ لاَ تَظْهَرَ لِلنَّاسِ صَائِمًا، بَلْ لأَبِيكَ الَّذِي فِي الْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً
والمستفاد مما تقدم أن العبادة التي يريدها الله تعالى هي عبادة هادفة لها تأثيرها على الذات البشرية وعلى علاقة الناس بعضهم مع البعض الآخر وأداؤها بهذه المسلكية المترابطة يحقق لنا الإستقامة التي أمر الله بها (استقم كما أمرت) بهذا النحو يتفوق الإنسان في طاعته لله على طاعة الملائكة ويربح التحدي بوجه عدوه الشيطان وهذا هو الربح الحقيقي الذي يترتب عليه الفوز بنعيم الخلود والأبدية.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يقولون الكلمة فيتبعون أحسنها تقبل الله أعمالكم وكل عام وأنتم بخير.