نلاحظ من خلال تتبع الآيات القرآنية أن الله تعالى لفت عناية عباده إلى قيمة الزمن وأهمية الإستفادة من هذا الرصيد الذي منحه للإنسان في دار الإمتحان والإختبار ليتمكن من تنظيم حياته وتطوير العيش فيها والعمل بما تقتضيه الإستقامة التي أمر بها عباده ليكونوا مسؤولين عما قدمت أيديهم ونلاحظ أيضاً أن الله تعالى ربط مجموعة من العبادات بمواقيت زمنية محددة كالصلاة والصوم والحج ... ولا نريد هنا من خلال الحديث عن عنصر الزمن أن ندخل في جوانب فلسفية بما فيها من تشعبات مختلفة المعاني والدلالات وإنما أردنا التركيز على مسألة أوقعت الناس في الحيرة والضياع في مسألتي الصوم والحج وهذا ما سنحاول القاء الضوء عليه من خلال إطلالة على ما قدمه سماحة العلامة السيد علي الأمين من مناقشات وطروحات في كتابه وهل يخفى القمر (العيد الضائع بين الرؤية الشرعية والحسابات الفلكية) فقد طرح العلامة الأمين في مقدمة كتابه مجموعة أسئلة مرتبطة بالجدل القائم حول تحديد بداية الصوم ونهايته وما يرافق ذلك من حيرة وضياع للناس في كل عام معتبراً أن الشريعة السمحاء ليست مسؤولة عن هذا الحجم من الإختلافات لأنها بينت مقاصدها المطلوبة بلسان عربي مبين وقد مارس المسلمون في زمن رسول الله (ص) وما بعده هذه العبادة من غير أن يقعوا في الإختلاف والحيرة والضياع ويذكر سماحته أن الشريعة السمحاء اعتمدت في عملية التأريخ للحوادث الواقعة والتوقيت للمناسبات الجارية في حياة الناس حركة القمر التي تتبدل بشكل محسوس وملموس من غير حاجة الى دراسة وعلم وهذا الأمر ميسور لعامة الناس ولا يحتاج لغير الحس والمشاهدة ولم تربط الشريعة الإسلامية أتباعها بأمر خفي ومتعسر بحيث يصعب أو يتعذر الوصول لمعرفته فالأمر الجلي لا يصح ربطه بما هو خفي مثلاً عندما تقول ولد فلان أو مات أو تزوج أو اشترى أو باع .... هذه قضايا واضحة ومحسوسه فالتأريخ لها يجب أن يرتبط بقضية مشابهة في الوضوح ليتم الربط بين أمرين محسوسين.
وفي المسألة التي نحن بصدد الحديث عنها والتي هي تحديد بداية ونهاية فريضة الصوم نجد أن الشريعة ربطتها بولادة الهلال وبناء على ما تقدم يكون هذا الربط بما هو ظاهر محسوس بالنسبة لأهل الأرض وهذا ما يجعلنا بالغنى عن الحسابات الفلكية والمراقبة العلمية لحركة القمر التي لا تقع محل ابتلاء المكلفين بالصوم أو الإفطار لأن الوجود الواقعي للهلال بمعزل عن الرؤية المحسوسة لا يترتب عليه أي أثر من الناحية الشرعية ويعتبر العلامة الأمين أن الآليات الجديدة التي يعتمدها بعض الفقهاء والمستندة للحسابات الفلكية في تحديد بداية ونهاية الشهر القمري ينتج عنها إلغاء الإعتماد على الرؤية البشرية لأنها تأتي في مرحلة سابقة على الولادة التي عُني بها أهل الأرض مما يؤدي الى وقوع الخلاف المسبق مع دعاوى الرؤية الحاصلة بواسطة المشاهدة البصرية وينتج عن ذلك أيضاً وقوع الناس في الحيرة والضياع هذا فضلاً عن تعارض هذا الرأي مع مدلول النصوص الشرعية التي لا تساعد على الإستناد الى ما يتكون من علمٍ بالولادة وعدمها بواسطة الحسابات الفلكية وهذه النقطة ناقشها سماحة السيد في كتابه واستعرض الأدلة الشرعية وما تفيده من دلالات تتعارض مع القول بصحة الإعتماد على المراصد والحسابات الفلكية وخلاصة هذه المناقشة عدم صحة الإعتماد الشرعي على الحسابات الفلكية في إثبات ولادة الهلال حتى ولو أفادت العلم وفي هذه المسألة يقول سماحته : إن البحث في استفادة العلم واليقين من علم الفلك ومراصده ليس من اختصاصنا ولا علاقة له بالبحث الفقهي من قريب أو بعيد وهو على كل حال بحث صغروي قليل الجدوى لا علاقة له في استنباط الحكم الشرعي ... ويبين أن دعوى إفادة هذا العلم القطع واليقين هي دعوى معارضة بوجود الإختلاف بين الخبراء وعدم اتفاقهم على رأي موحد في النتائج التي يتوصلون إليها وهذا يكشف عن أن نتائج علم الفلك لم تصل الى درجة تفيد القطع واليقين وعليه تبقى هذه الأدلة في دائرة الظن ومن الواضح أن سماحته لا ينفي ها هنا حجية العلم الذي يفيد القطع واليقين ولا يرفض الوسائل العلمية الحديثة إنما يناقش في حدود الدرجة العلمية المستفادة من هذه الحسابات ، وثانياً عدم مساعدة النصوص الدينية على الأخذ بمثل هذه الوسائل في عملية الإثبات الشرعي.
وأما المشكلة التي نواجهها في إثبات ولادة الهلال شرعاً يمكن حلها بمعزل عن العلوم الفلكية وذلك من خلال العودة إلى الطرح المتقدم الذي بينه العلامة الأمين في ختام المناقشات الإستدلالية واستعراض المشاكل المحيطة بمسألة وسائل إثبات الولادة الشرعية للقمر فيقول ما يلي : وأخيراً فإننا نجدد دعوتنا واقتراحنا على ذوي الشأن بتشكيل غرفة عمليات مشتركة من قبل دول المؤتمر الإسلامي ، ويكون مركزها مكة المكرمة ، ويجتمع فيها ممثلون من ذوي الخبرة ، وتكون هذه الغرفة الممثلة للجميع هي المرجع الوحيد في تحديد المناسبات الدينية . وبذلك يمكن أن نضع حداً لكل هذه الإختلافات حول مسألة الهلال ، التي لم يعد من المقبول ، في هذا العصر ، أن يحصل فيها مثل هذا الإختلاف مع وجود وسائل التواصل التي تجعل من العالم كالقرية الواحدة من حيث إمكان المعرفة والإطلاع وجمع الشهادات من مختلف البلدان وتوثيقها.
بهذه الدعوة الواضحة والصريحة التي إن طُبقت نتمكن من القضاء على ظاهرة الإنقسام في مسألة عبادية أرادها الله تعالى محطة للجمع والوحدة ونزيل ما هو قائم من ضياع وحيرة عند الناس الذين يعانون كل عام من نفس المشكلة التي تحول عيدهم الى أعياد متعددة حتى ضمن البيت الواحد فمتى يبادر أهل الحل والعقد إلى إنهاء هذه المشكلة الكبيرة ؟ 
وفي ختام مقالي ألفت النظر الى أنني لم أنقل المناقشات العلمية والإستدلالات الفقهية التي أجراها سماحة السيد لما فيها من دقة علمية فمن أراد التبحر فيها والإطلاع عليها سيما إن كان من أهل الإختصاص يمكنه مراجعة الكتاب الذي سبق ذكر اسمه.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لصيام وقيام شهر رمضان المبارك وكل عام وأنتم ووطننا العربي والإسلامي بخير وعافية.