في تشريح لخطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في يوم الشهيد حول مواصفات رئيس الجمهورية الذي يريده الحزب، ليؤكد ان الهدف الأول لدى الحزب هو حماية المقاومة من الطعن في الظهر مستنداً الى تجارب سابقة، لعل أبرزها إشارة السيد غير المباشرة ومن دون تسميات إلى الانقلاب على المعادلة التي يعتبرها الحزب ذهبية وتوصيفها من قبل بعض المرجعيات والسياسيين بالمعادلة الخشبية وحيث أصر الحزب على عدم انتخاب رئيس للجمهورية لا يتعهد حماية المقاومة، فكان الشغور الرئاسي لاكثر من سنتين حتى انتخاب من يطمئن له ظهر المقاومة الرئيس ميشال عون .

وماذا يعني أن يشرح السيد مواصفاته للرئيس المقبل بأن يكون مثل رئيسي الجمهورية السابقين إميل لحود وميشال عون، واعداً بطرح مواصفات أخرى في الحوارات التي دعا إليها نصرالله، من أجل الاتفاق على اسم الرئيس الجديد، فلا يناقشني زيد أو عمر من أول الطريق بسلاح المقاومة وفي لبنان هناك ألف ملف تحتاج إلى معالجة وهو قفز عن كل الملفات، غير إطالة أمد الفراغ رغم اعترافه بأن الوقت داهم.

أضاف السيد نصر الله في خطابه سبباً آخر لتوصيف الرئيس العتيد، هو التدخل الأميركي في موضوع الاستحقاق الرئاسي، حيث اعتبر ان الأميركي يريد رئيساً تابعاً له بالكامل، وعليه نسأل هل براي السيد ان العلاقة بين "ايران وامريكا " مقطوعة ؟

من دون تبرير تدخل أميركا أو غيرها من المعسكر المناهض لإيران، وهو تدخل تعايش معه الحزب لعقود تارة في ظل تصاعد الصراعات بين الغرب وطهران وتارة أخرى في ظل التسويات والتواطؤ في العراق وغيره والذي دفع لبنان ثمنه، لا يبدو أن قيادته اقتنعت بأن إقحامها البلد في مقتضيات السياسة الإيرانية ساهم مساهمة رئيسة في بلوغه الحضيض الذي هو فيه. فمتى يأخذ الحزب إجازة من هذه المهمة، التي تحملت مسؤوليتها، غير آبهة بجمهور أكثري من سائر القوى السياسية والطائفية، كانت انتفاضة 17 تشرين هي التي وقفت بوجه مشاريع الحزب وعدم السماح له باخذ لبنان تحت الوصاية الايرانية، وبرزت تجليات 17 تشرين الاعتراضية على سوق البلد إلى الجحيم .

فهل التسوية المطروحة في الخطاب عن التسوية لانتخاب رئيس دون النظرالى المكونات الاخرى وبمعزل عن الكتلة السنية المكونة ونوابها ؟

في ظل التهديد بالحرب الاهلية هل تمت قراة المتغيرات الدولية والاقليمية من المتغيرات على مستوى الانتخابات النصفية والانهيارات الروسية والانتفاضة الايرانية هل ما زال بالامكان لسابع من ايار جديد يفرض من خلاله رئيس يحمي ظهر المقاومة ؟

إلا أن هذا الخطاب الذي يدل على مازقه في الاقليم يسعى للقفز فوق إلحاح ضرورة انتخاب الرئيس سريعاً، ويتبرأ من المسؤولية عن تأخره، ليس لأن خصوم الحزب يريدون منه أن ينتخب الرئيس الذي يسمونه، بل يريدون منه ألا يعطل جلسات الانتخاب بتهريب النصاب، وأن يقترع لمن يراه مناسباً لخطه السياسي ويترك للفرقاء الآخرين أن يقترعوا لمن يرونه متلائماً مع تطلعاتهم، وليفز بالمنصب، مدركين سلفاً أن أي رئيس، لا يعتبر أن تسوية ملف السلاح ستكون عاجلة وسريعة. وحتى لو كان الرئيس العتيد صاحب موقف ضد بقاء سلاح الحزب خارج إمرة الشرعية، فالأمر ليس مطروحاً على هذا الشكل، بل إن أكثر الرافضين لفائض القوة، على قناعة تامة بأن معضلة السلاح يجب أن تخضع لنقاش داخلي حول كيفية معالجته، في إطار حواري سياسي وداخل المؤسسات الدستورية، وفي سياق بحث جدي في الاستراتيجية الدفاعية، بمواكبة إقليمية ودولية في ظل هذا الواقع، بات يحتاج الامر الى عقلنة الخطاب،والى مظلة تؤمن التوافق على رئيس للجمهورية مقبول من الجميع أو من الأكثرية النيابية،أو الى تدخلات خارجية وهذه التدخلات غير متاحة الآن وفي القريب المنظور، وعلى ما يقول مصدر نيابي فقد ملّت دول العالم العربية والغربية من لبنان ومن خلافاته التي ترهق الجميع.

ويقول متابعون للموقف، انه إذا كانت المقاربات لإنتخاب الرئيس داخلية بحت فالتوافق والحوار يبقى قدراً مكتوباً على اللبنانيين للتوصل الى تفاهم على من ينتخبون. أما إذا كانت العوامل الخارجية كما يبدو هي الضاغطة أكثر فالشغور الرئاسي لا يعود صنيعة اللبنانيين وحدهم بل صنيعة الخارج، الذي ما زال يمارس ضغوطاً على لبنان بأساليب مختلفة أخطرها المعيشي، التي يدفع ثمنها الشعب اللبناني كله بكل اتجاهاته، ولا تعني سوى إطالة عمر الأزمات .

ختاماً ما نشهده اليوم من فراغ ما هو إلا بسبب ارتباط كل طرف أجندة خارجية، في ظل انعدام وضوح المعالم السياسية القادمة بسبب حروب المنطقة وصراع الامبراطوريات القديمة على استعادة نفوذها، فالمطلوب تغليب المصلحة الوطنية، وجلوس جميع الأطراف السياسية على طاولة حوار ومناقشة كل طرف هواجسه لتجنيب انجرار الصراع السياسي إلى الشارع، وبالتالي الاتفاق على انتخاب رئيس جمهورية حقيقي قادر على جمع اللبنانيين والحكم فيما بينهم وفق الدستور والقانون، فلا مكان للإنقسام وان كان البعض يفضل الذهاب إلى التقسيم والفدرلة بسبب التطرف والحنين لزمن الكانتونات، ومن هنا أتت مبادرة سفارة المملكة العربية السعودية مشكورة عبر عقد المؤتمر الوطني لترسيخ فكرتين وحدة اللبنانيين وعروبة لبنان، فهذه هي الفرصة الأخيرة لبناء دولة حقيقية وإلا على الدنيا السلام .