الأفق في لبنان مُقفل، هي خلاصة مؤلمة لمن لا يزال متمسكاً بالبقاء في بلاد الأرز التي كانت يوماً سويسرا الشرق يتغنى بها زائرها، ويحلم مَن سمع عنها أن يأتيها سائحاً في كل فصول السنة. ما عاد لبنان هو الذي عرفه أبناؤه ولا زوّاره. انتهى زمن أغنية وديع الصافي عن لبنان يا قطعة سـما،تحول إلى لوحات من البؤس والفقر تضرب غالبية شعبه، بعدما تآكلت الليرة مقابل الدولار، ولوحات من القهر والذل تُطبق على صدور من يعيش في النفق المظلم. من سافر بحثاً عن مستقبل، أقفل باب العودة. هي هجرة جديدة تُضاف إلى ما سبقها من هجرات أجيال لم يَـعُـدْ معظمهما إلى أرض الوطن.

 

 

سؤال يتردد على كل شفه ولسان كيف وصلنا إلى مرحلة انهيار الاقتصاد وإفلاس الدولة وضياع أموال المودعين في المصارف، ليست الإجابة واحدة موحدة ولا يمكن أن تكون، وإن كان الفساد نقطة تقاطع وأحد العوامل التي ساهمت في انكشاف الوضع.

 


يذهب البعض إلى رمي المسؤولية على حقبة رفيق الحريري والمشروع الاقتصادي للبنان ما بعد الحرب الأهلية، الذي حاول من خلاله إعادة إعمار لبنان وبناه التحتية، وشبكات مواصلاته، وقلب عاصمته ومطاره ولا بد للبنان، بلد الخدمات والسياحة، أن يكون حاضراً لمنافسة جيرانه، فيما كان يعتبر ان المطلوب بناء اقتصاد مقاوم حتى إن هناك من كان يدعو حينها إلى الاختيار بين أن نكون هونغ كونغ أو هانوي.

 

 

ويعتبر هؤلاء، من منطلق مواقفهم المناهضة للحريرية السياسية أن كلفة إعادة الإعمار سبب رئيسي في عجز الخزينة والدين العام. في زمن الوصاية السورية، كان الحلفاء الخلّص لبشار الأسد في لبنان يتولون مهاجمة لبنان في خدمةالاجندة التفاوضية الايرانية رفيق الحريري. اليوم هذا حال لسان التيار الوطني الحر ولا سيما رئيسه جبران باسيل، الذي أدرجته وزارة الخزانة الأمريكية على لائحة العقوبات بموجب قانون ماغنتسكي بناء على لائحة اتهامات بفساد ساهم في تآكل أُسس الحكم، مبعثها سياسي يرتبط بحلف وثيق مع حزب الله وخطره على تغيير وجه لبنان. إدراج شكل ضربة قاصمة لحلم مشروع في الوصول إلى سدة الرئاسة استكمالاً لمسار عمه الجنرال ميشال عون، القادر على مدّه بوهج زعامة مسيحية صنعها بحمله لواء الشرعية في وجه الميليشيات، ولواء التحرير في وجه المحتل السوري فإذا به حليفاً للنظام السوري، ومدافعاً عن سلاح حزب الله بوصفه سلاحاً مقاوماً لا يراه مصوباً إلى صدور اللبنانيين، ولا تأثير سياسياً له في الداخل.

 


تَحَولَ باسيل إلى الشخصية السياسية الأكثر استهدافاً من قبل ثورة 17 تشرين الأول ، نظراً إلى حجم الاشتباكات السياسية التي خاضها تحت شعار الدفاع عن حقوق المسيحيين في استفزاز شعرَ معه كثيرون أنهم يعيشون مشاهد من حرب أهلية لم تندمل جراحها بعد بما يجعلهم مُحصّنين من النكسات.

 

 

تتعدد القراءات حول مسببات الكارثة اللبنانية. في القراءات أن سقوط البلاد في الفلك الإيراني بفعل سيطرة حزب الله على مفاصل الدولة والقرار هو المسبب الرئيسي للانهيار الحاصل. لا يغفل هؤلاء تأثير السياسات العامة الخاطئة على الوضع اللبناني، لكنهم لا يرونها جوهر الأزمة. ربما ساعدت السياسات العامة على تدهور الأحوال، لكنها ليست العامل الحاسم في الانهيار. ما قصم ظهر لبنان هو خروجه من الحضن العربي وتحوّله منصة سياسية وعسكرية ضد الدولة الخليجية الأكبر في رعايتها لبنان.

 


في رأيهم أن حزب الله أخذ البلاد رهينة، في ظل انعدام موازين القوى في الداخل والإقليم. لم يقاوم أبناؤه في وجه الهيمنة الإيرانية. بعض المسيحيين كانوا في صف حلفاء المحور ولا يزالون، يمارسون أبشع أنواع الحقد، وبعضهم الآخر اعتبر أن الصراع سنّي-شيعي ولا يعنيهم، فيما الدروز يبحثون عن ملجأ يحميهم في لعبة الأمم. أما السنّة، فكانت قيادتهم تعيش هاجس الانكسار الذي حصل في العراق وسوريا وحوّل الجزء الكبير منهم إلى لاجئين وسكان خيم.