الأفق في لبنان مُقفل. هي خلاصة مؤلمة لمن لا يزال متمسكاً بالبقاء في البلاد التي كانت يوماً سويسرا الشرق ، ويحلم مَن سمع عنها أن يأتيها سائحاً في كل فصول السنة. ما عاد لبنان هو الذي عرفه أبناؤه ولا زواره، لبنان في ازمة استثنائية، متعددة العناوين، بالغة التعقيد وعلى جميع المستويات والصعد، وهي ازمات تزداد قساوة، ساعة بعد ساعة، ويوما بعد يوم، مع انهيار قياسي في سعر العملة الوطنية امام الدولار الاميركي، مقرونة بإستمرار الكباش السياسي،في سباق محموم بين التصعيد والاحتواء، يهوي لبنان مسرعاً نحو قعر الهاوية،   وفي ظل تفكك مؤسساتي وانقسام سياسي واجتماعي عمودي حاد ، حيث يشبّه بعض الباحثين الوضع الحالي بما شهده لبنان في نهاية الحقبة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى، أو ما يعرف بالمجاعة التي قضت على آلاف المواطنين من سكان جبل لبنان والساحل السوري خلال الحرب العالمية الاولى، تتشابك وتتداخل عناصر عدة، داخلية وخارجية، في تسريع حدة الانهيار الشامل وانعطافه نحو الارتطام الكبير الذي قد تنتج عنه مخاطر تشظي الدولة وتفتّت مؤسّساتها الهشّة فيما لو وقع المحظور قبل الإمساك بحبل نجاة الدعم الدولي، وإقرار حزمة إصلاحات اقتصادية ومالية قاسية، واتّخاذ قرارات وطنية جريئة تعيد لبنان إلى موقعه الطبيعي ضمن الحاضنة العربية وفق عناوين المبادرة الكويتية الخليجية ، والخروج من سياسة المحاور والتبعية ، والشروع في استكمال تنفيذ اتّفاق الطائف، ووضع آلية تنفيذية لإلغاء الطائفية السياسية للخروج من الدوران في الحلقة المغلقة التي تتيح للنظام إعادة تجديد نفسه. 

 


يقع لبنان على فالقٍ إقليمي متغير، ويعاني منذ نشأته انقساماً حاداً بين مكوّناته الطائفية. يتحوّل هذا الانقسام الأفقي الحاد إلى صراع خفي داخل المؤسّسات وعلى السلطة أحياناً، وعلني يتلبس لبوساً عنيفاً أحياناً أخرى لينزلق تدريجياً إلى حربٍ أهلية تتحول معها البلاد إلى ساحة تجاذب لنفوذ الدول الإقليمية ومصالحها المتناقضة، وصندوق بريد لرسائلها الدموية . 

 


في المقابل تحمل التطورات التي شهدها لبنان عناصر تصعيد قد تخرج عن السيطرة، لا سيما النتائج المترتبة عن الرد على الرسالة اللبنانية التي حملها وزير الخارجية اللبناني ، خلال زيارته إلى الكويت خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب ، حيث ان الرسالة الكويتية والتي اعتبرها بمثابة خريطة طريق لإعادة بناء الثقة مع لبنان، وتستند على تنفيذ القرارات الدولية الخاصة بلبنان 1559 و1701 وغيرها من القرارات ذات الصلة وبعض الإجراءات الأساسية لوقف توريط لبنان بالمشكلات مع دول الخليج العربي، كمشاركة حزب الله في حرب اليمن، وتحويل لبنان منصة إعلامية لمهاجمة دول الخليج العربي، وتهريب المخدرات، وغيرها من الأمور.

 


ان المشهد الإقليمي الداخلي بتشعباته المختلفة يضع لبنان، بما فيه من خبرات وتجارب سياسية وتراكمات ثقافية وعلاقات دولية عميقة، أمام خيارات صعبة . 

 


اعتماد منطق الدولة التي تنتج سياسة منضبطة على إيقاع اتفاق الطائف والقرارات الدولية ذات الصلة بلبنان والقرارات التي تحافظ على العلاقة السليمة مع المحيط العربي، الممثّل بالشرعية العربية عبر جامعة الدول العربية، وبصداقاته التاريخية العميقة مع دول الخليج العربي . 

 


أو أن يعود لبنان ليسلك مجدداً طريق الدول الفاشلة ويحجز لنفسه مكاناً على قائمة الدول القائمة على خيار حلف الأقليات الطائفية ، هذا الأمر الذي يعبر عنه البعض في الداخل بالدعوة لاعتماد اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة، أو الفيدرالية. فدولة لبنان القائمة على أساس القرارات الدولية والشرعية العربية واتفاق الطائف شيء، والدولة اللبنانية القائمة على قاعدة حلف الأقليات شيء آخر.

 


وفي هذا السياق وبانتظار الرد العربي على رسالة الرد اللبناني،الحقيقة أن الرد اللبناني سيكون استمراراً لنهج تدوير الزوايا الذي أوصل لبنان لهذه الأزمة الكبرى، ولن تستطيع حكومة لبنانية التصدي لحزب الله وفقاً للنهج السائد في لبنان اليوم ، وهذه القراءة لا تعني أن دول الخليج تضيع وقتها في الأزمة اللبنانية، بل تعني أن دول الخليج، تبني موقفاً خليجياً عربياً، ودولياً، ضد عملية خطف لبنان، وتثبت أن الساسة اللبنانيين غير جادين في حل أزمتهم ،وحتى لو طال أمد بناء موقف حقيقي ضد من تسببوا في أزمة لبنان فإن لحظة الحقيقة قادمة، خصوصاً أننا أمام منعطفات سياسية حادة في المنطقة نتاج ما ستسفر عنه مفاوضات فيينا، ببساطة إذا تابعنا تطورات المنطقة، النووي الإيراني، وأزمات الشرق الأوسط، نكتشف أننا في مرحلة انتظارٍ صعبة إلى حد الاختناق وأمام إعادة بناء وتكوين المواقف وللحديث صلة .