لبنان الدولة والشعب يعاني ، من سلسلة أزمات متناسلة  ، متعددة العناوين والمضامين والاهداف والمصادر الداخلية والخارجية، وقد ادت في جملة ما أدّت اليه، إلى تفكيك بنية الدولة في العديد من مؤسساتها، على وجه العموم، كما أدّت الى تدمير البنى الاقتصادية التحتية، ما أوصل البلد إلى مستويات غير مسبوقة من الفقر والحرمان والبطالة وهجرة الكفاءات الى الخارج بحثا عن لقمة العيش بكرامة واحترام، وقد تمادی ارکان المنظومة السياسية المالية الاحتكارية والطائفية والمذهبية بتعميق الازمة، بتحويل عشرات مليارات الدولارات الى الخارج، ما زاد من خطورة تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية وانهيار المستوى المعيشي على نحو غير مسبوق، وارتفاع الدين العام الى ما يقارب المئة مليار دولار، وثروات البلد النفطية مدفونة تحت المياه على الحدود الجنوبية، ولا من يحرك ساكنا.

 


لم تقابل المنظومة اياها، كل ذلك بغير التمادي في سد أفق الحلول المقترحة، وقد دخل اللبنانيون، في مرحلة الدفاع عن الوجود والبقاء، حيث تخطت المخاطر، الداخلية والخارجية، كل الحدودً، وهي الهادفة الى تفتيت البلد، بل والمنطقة برمتها، الى كيانات طائفية ومذهبية ، والعمل على تفجير صراعات، بل حروب داخلية إمعانا في تدمير كل مقومات التطلع الى دولة وطنية جامعة يتساوى فيها الجميع بالحقوق والواجبات، من غير تمييز، قد يستخف البعض بالقول، إن المستفيد الابرز من كل ذلك، هو الكيان الاسرائيلي، لتبرير وجوده ككيان عنصري بامتياز، لا يقيم وزنا لسائر الآخرين، ومع الاسف ان هناك من يسعى جاهدا لتقسيم لبنان الى كيانات، بأسماء متعددة، من بينها الفدرالية واللامركزية الموسعة، ومنذ إنشاء لبنان الكبير، اوائل القرن الماضي، وحتى اليوم، لم يحقق النظام اللبناني الذي يعتمد على تقاطعات طائفية ومذهبية ومناطقية ورأسمالية احتكارية وهو الموصوف شكلا بأنه ديموقراطي  برلماني، اي تقدم يذكر لبناء الدولة الحديثة  العادلة والمقتدرة والنظيفة، او أي تقدم على مستويات محاربة الضعف المتمادي، المتمثل بالانقسامات العمودية والافقية، كما والفقر والحرمان والفوضى والفساد، ما يعيد الحياة الى شرايين دورة الحياة الواحدة، الاقتصادية والحياتية والمعيشية والاجتماعية، بل والمصيرية، في الداخل، كما ومع المحيط العربي، حيث الانتماء الى العروبة لا يكون  باللسان فقط، يتفق الجميع، في الداخل اللبناني، والخارج الدولي والاقليمي، القريب والبعيد على ان الممسكين بزمام البلد، فشلوا، عن سابق تصور وتصميم، ببناء لبنان الدولة الحديثة، الجامعة وإجراء الاصلاحات المطلوبة بإلحاح، ان لجهة التغيير السياسي، وإن لجهة بناء الاقتصاد الوطني، على اسس ثابتة ومتينة تقوم على قاعدة الركائز الثلاث، الزراعة والصناعة والخدمات ، وإن لجهة بناء دولة المواطنة التي يتساوى فيها الجميع، في الحقوق والواجبات، ما هو ظاهر للعيان ان لا حياة لمن تنادي وأركان المنظومة متمسكون بثوابتهم المترنحة، الحاضنة لكل عوامل التأزم البنيوي، التي تستحضر كل مشاريع الخلافات والصدامات، بل والحروب الاهلية المصحوبة   والمعززة بتدخلات خارجية، دولية وإقليمية، تمنع قيام اسس السلم الاهلي والاستقرار المطلوب لتطور البلد ونهوضه وتقدمه، ومن يعود الى ثمانينات وتسعينات القرن الماضي وأوائل القرن الحالي، وما يعانيه لبنان في هذه المرحلة يشهد ان اللبنانيين يعيشون ازمات متناسلة متعددة العناوين ، ناتجة بالدرجة الاولى عن طبيعة النظام اللبناني السياسي والاقتصادي والاجتماعي والمالي، ونمط إنتاجه،وفي الدرجة الثانية بغياب المحاسبة،  بالاضافة الى غياب المصلحة المصلحة الوطنية بالنظر الى اصطفافات خارجية، بالغة الخطورة، تتلطى خلف الطائفية والمذهبية، وقد فرض ذلك نفسه بقوة على طبيعة الانقسامات السياسية، بتوترات يومية لا تحمد عقباها،كما تتصدر الازمة الحكومية، والمتمثلة بتعطيل الجلسات، منذ 12 تشرين الاول الماضي،  واجهة الحدث وتقبض على انفاس العديد من المستحقات الضاغطة والمنتظرة ، والامل معقود على نجاح مبادرة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في اعادة وصل ما انقطع بين لبنان ومحيطه العربي والبدء بمعالجة الاشكالات التي تسببت بالقطيعة بين لبنان والسعودية والبدء بعد ذلك في جولات على سائر الدول العربية لترميم العلاقات، وإعادة انعاش الوضع الحكومي في لبنان، على امل تنفيذ الاصلاحات المطلوبة، ليكون للبنانيين وطن ودولة مواطنة مدنية ديمقراطية حديثة، لا غبار طائفيا ومذهبيا عليها،في الخلاصة تدل المعطيات، ان لا انفراج سياسياً في المدى المنظور، ولا ضوابط فاعلة تذكر، وأهل المنظومة السياسية القابضين على زمام القرارات، صم بكم حيال كل ما يجري، وسبيل التفاهم، ولو على الحد الادنى، مفقود، حيث لا دولة ولا من يحزنون ولا من يسمعون،  وليقلع كل فريق اشواكه بيديه، فإلى اين ذاهبون بالبلد وأهله.