في عيد المقاومة والتحرير نريد اليوم مقاومة بحجم الوجع اللبناني وبحجم الإنهيار الحاصل، الإنهيار المالي والاقتصادي، الإنهيار السياسي، الإنهيار المعيشي، بحجم انهيار الدولة وهنا تكمن القوة الحقيقية وهنا تكمن قوة المقاومة بامتلاكها الارادة الوطنية في إرساء قيم السلام والعدل والإنتماء الوطني الحقيقي .
 

كنا نريد أن نحتفل بعيد المقاومة والتحرير ونوزع الورد في الساحات، ونزين الشرفات، ونذهب بعيدا إلى الحدود ونحتفل باندحار العدو، كنا نريد أن نحتفل في الجنوب وفي بيروت والشمال والبقاع، كنا نريد أن نكرّم الشهداء، كنا نريد أن نحتفل بيومنا الوطني عيد المقاومة والتحرير في وطننا وأرضنا، كنا نريد ونريد كثيرا أن نرفع علمنا اللبناني بكلّ فخر واعتزاز، وكنا نريد وكنا نريد كثيرا  أن نقيم احتفالا وطنيا جامعا حاشدا بكل ألوان الطيف اللبناني، في ساحة الشهداء أو ساحة رياض الصلح، وكنا نريد وكنا نريد، ولكننا اليوم وبعد عشرين عاما تأخرنا كثيرا، تأخرنا كثيرا عن الانتصار بعدما ضيّعنا الإنتصار وضيعنا الدولة وضيعنا الوطن، وضيعنا كل لبنان.

 

 

لم نشكّ في يوم من الأيام أننا انتصرنا على إسرائيل عدونا الأكبر، ولم  نشكّ يوما أننا كنا أمام إنجاز كبير كان يليق بنا كلبنانيين وكعرب، ولم نشكّ بطهارة ونقاء وقداسة دماء الشهداء الذين انجزوا هذا التحرير، ولم نشك يوما بالتضحيات الكبيرة للبنانيين وصمودهم وتحمّلهم.

 

 

إقرأ أيضا : جلسة الرقص على أوجاع اللبنانيين!!

 

 

لكننا اليوم بعد أكثر من عشرين عاما نريد أن نسأل أنفسنا جميعا كلبنانيين أين نحن من هذا الانتصار؟ ماذا فعلنا ليبقى هذا الإنتصار حاضرا كقوة وكحافز لبناء الوطن والدولة؟ والجواب بسيط جدا أننا لم نفعل شيئا، فكان هذا الانتصار على مستوى اللحظة فلم نستثمره كدولة، ولم يكن في يوم من الأيام حافزا لبناء الوطن والهوية والإنتماء، ذلك أن حدثا تاريخيا استثنائيا من هذا النوع ما زال حتى يومنا هذا خارج الإجماع ومحل تناقضات وهو يوم لا يعني فئة كثيرة من اللبنانيين بفعل الخيارات السياسية المتشابكة في الحياة السياسية اللبنانية.

 

 

إن إنجازا تاريخيا من هذا النوع كان ينبغي أن يبقى حاضرا وبقوة في المزاج الشعبي اللبناني وفي المزاج الوطني العام ، لكنه اليوم يمرّ كمناسبة خاصة بحجم فئة خاصة بفعل السياسات وبفعل التراكمات السياسية وبفعل الخيارات السياسية  التي طغت على جوهر هذا الانتصار كإنجاز وطني عام،  فتحول إلى مناسبة محدودة التأثير لم تستطع أن تغير شيئا في الشأن الإجتماعي والسياسي من خلال حصرية هذا الانتصار وتداعياته بفئة حزبية واحدة وبثقافة واحدة هي ثقافة الحرب فلم نستلهم من هذا معنى القوة في بناء الدولة وفي بناء الإنسان وفي بناء الوطن فتجيء الإحتفالات هذا العام على شكل كرنفالات وانفعالات إعلامية على أنقاض الوطن والدولة فليس ثمة شيء يدعو إلى الفرح والبهجة فيمر 25 أيار كأي عيد في حياة اللبنانيين.

 

 

إقرأ أيضا : سقطة وزير أم سقوط دولة

 

 

إن استعادة جزء محتل من الأرض بالقوة هو قوة للبنان ولشعب لبنان كان ينبغي أن تمتد هذه القوة وتستمر في معركة بناء الدولة وفي معركة محاربة الفساد وفي معركة استعادة الدولة ومؤسساتها، وفي معركة بناء الإنسان اللبناني، ولكن ما حصل كان مغايرا تماما.

 

 

في عيد المقاومة والتحرير  نريد اليوم مقاومة بحجم الوجع اللبناني وبحجم الإنهيار الحاصل، الإنهيار المالي والاقتصادي، الإنهيار السياسي، الإنهيار المعيشي، بحجم انهيار الدولة وهنا تكمن القوة الحقيقية وهنا تكمن قوة المقاومة بامتلاكها الارادة الوطنية في إرساء قيم السلام والعدل والإنتماء الوطني الحقيقي .