في المحصّلة فإن الأساس في استعصاء تأليف الحكومة ليس خلاف عون والحريري بل إمساك طهران بمفاتيح هذا التأليف. فإذا شاءت انتفت العقد الحكومية وأبصرت الحكومة النور.
 

ما جرى الاسبوع المنصرم في مدينة طرابلس، العاصمة الثانية للبنان ، لا ينبغي قراءتها خارج إطارين الاول الانسداد السياسي الداخلي، والثاني الحسابات الخارجية المتصلة بلبنان والمنطقة بشكل عام . 

 


قد يكون من المبكر الجزم بما سيرسو عليه المشهد في طرابلس وانعكاساته على الوضع اللبناني برمته، وما إذا كان سيُشكّل الشرارة لعودة التحرّكات الاعتراضية على الأرض في مناطق أخرى في نسخة ثانية لإنتفاضة 17 تشرين 2019، أو نسخة أشدّ عنفاً وأكثرتفلتاً، لا سيما مع انسداد أفق الحلول في ظل تنامي الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي فاقمتها  جائحة كورونا وأداء السلطة العاجز، وفي ظل المأزق السياسي الذي تعيشه البلاد . 

 

 

بعد كل الذي حصل في عاصمة الشمال طرابلس ،خرجت السلطة على النّاس، باجتماعات أمنية، وبيانات سياسية، حاولت القفز عن وقائع ما جرى في طرابلس، لا سيما في الليلة العاصفة، والتي تركز العنف فيها على المؤسسات الرسمية والمحلية، والمنشآت المدنية والتربوية، كالبلدية، ودار الافتاء والسراي الحكومي ومؤسسات العزم التربوية، وسط مخاوف جدّية من انهيارات أمنية، لا تتوقف عند طرابلس أو صيدا أو بيروت، بل تمتد إلى كل لبنان، الذي يفتقد الحصانة السياسية، ممثلة بحكومة، شدّد على ان الحل بولادتها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، الذي أعلن في حديث للعربية انه سيقوم بزيارة ثالثة إلى لبنان، بعد التحقق من أمور أساسية، معتبرا ان النظام اللبناني بمأزق بسبب الحلف بين الفساد والترهيب مقترحا ضم المملكة العربية السعودية إلى أي مفاوضات، بشأن اتفاق مع إيران، مشددا على ان التفاوض مع طهران سيكون صارما جدا، لمنعها من حيازة السلاح النووي فالوقت قصير جدا .

 

 

ولاحظت مصادر ديبلوماسية ان مواقف الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون تجاه تعثر تنفيذ المبادرة الفرنسية وتحميله الزعماء السياسيين مسؤولية هذا الفشل ونعتهم باوصاف لم يسبق ان قالها بحقهم منذ زيارته الاخيرة الى لبنان، تحمل في طياتها لاول مرة توصيفا دقيقا لمتسببي هذا التعثر وتقسيمهم الى فئتين، فئة الفساد  وفئة الترهيب،وهي المرة الاولى التي يتهم فيها المعرقلين بهذا التوصيف،الذي يصوب فيه بوضوح على الفاسدين من السياسيين المعروفين في حين ان ماقاله عن الترهيب يحمل في طياته الاشارة إلى من يملك مقومات الترهيب ويمارسه في الواقع السياسي اللبناني وفيه تصويب على حزب الله من دون ان يسميه لانه هو الجهة الوحيدة التي بامكانها ممارسة الترهيب بالسلاح ألذي تمتلكه دون الاطراف الاخرين. وفي السياق حول كلام ماكرون، قالت أوساط سياسية أنه من المبكر التعويل على ما قاله الرئيس الفرنسي في ما خص الوضع في لبنان وأشارت إلى انه إلى حين تحريك الاتصالات الفرنسية بشكل فعال فإن الملف الحكومي يبقى من دون أفق في ظل الرد والرد المضاد بين بعبدا وبيت الوسط.

 

 

لا شيء يوحي أنّ الدينامية السياسية الراهنة في لبنان قادرة على إنتاج أفضل مما هو قائم. تمديد الفراغ هو الإحتمال الأرجح ما لم تتشكل حكومة بشروط حزب الله المعروفة: ثلث معطل للحزب، وهو ما بات يشبه العرف الدستوري منذ اتفاق الدوحة المشؤوم عام 2008، ووزارة المال بما هي ورقة فيتو شيعية داخل مجلس الوزراء، وإرضاء الحليف المسيحي، أي الرئيس ميشال عون.

 


لذلك فإنّ تقصّي احتمالات تأليف الحكومة من عدمه يتطلّب قراءة متأنية للمشهد الإقليمي والدولي، وتحديداً في ما يتّصل بتطوّرات الملف النووي الإيراني بعد إعلان الإدارة الأميركية الجديدة نيّتها العودة إلى الاتفاق النووي المبرم عام 2015.

 

 

كلّ هذه التطورات والاحتمالات المعقّدة والمتشعبة متّصلة بشكل وثيق بالملف الحكومي اللبناني إلى حدّ يجعل من الصعب  توقّع تشكيل حكومة في لبنان بمعزل عن مآلاتها. وحتّى المبادرة الفرنسية في حال أرادت باريس إنعاشها فهي أيضاً رهن بتطورّات الملف النووي الإيراني. والدلالة على ذلك تذكير وزير الخارجية الإيراني الذي يستعيد الآن مناوراته الديبلوماسية نظيرَه الفرنسي منذ نحو أسبوع بالمبادرة الفرنسية التي ولدت ميتة. كأنّه يقول له أنتم لا تستطيعون فعل أي شيء في بيروت من دون موافقتنا، وبالتالي هي لن تفرّط بالورقة اللبنانية من دون قبض ثمنها في المقابل.

 

 

في المحصّلة فإن الأساس في استعصاء تأليف الحكومة ليس خلاف عون والحريري بل إمساك طهران بمفاتيح هذا التأليف. فإذا شاءت انتفت العقد الحكومية وأبصرت الحكومة النور.