يمكن القول إن الحركة السياسية في البلاد قابلة لأن تتحرك على خطين دوليين متزامنين ومتوازيين. تحرك السفيرة الأميركية في بيروت دورثي شيا التي التقت الرئيسين ميشال عون ونبيه بري، والتحرك الذي ستجدده فرنسا في إطار إعادة إطلاق مبادرتها حيال الأزمة اللبنانية.
 

من الدلالات الواضحة على ظاهرة الإفلاس التي تعاني منها الطبقة السياسية اللبنانية، الخاضعة كباقي اللبنانيين للحَجر، ولكن غير الصحي،حيث بات معيار التفاؤل يتحدّد بعبارة عابرة من بيان فرنسي ، بات الكل يأمل في أن تكون المدخل لفتح باب الطوارئ في نفق مظلم تسير فيه البلاد نحو الانهيار الشامل

 


تظاهرات الغضب المشتعلة شمالاً وجنوباً، وفي مختلف المناطق الرافضة لمنطق التجويع والإقفال، مرشحة للتطور إلى مواجهات أمنية مفتوحة في الشارع، مع كل ما تحمله من مخاطر دخول الطوابير الخامسة، وأصحاب المخططات المشبوهة لتأجيج الصدامات بين الجيش والمطالبين بلقمة عيشهم، لغايات تخريبية تخدم أهداف سياسية وفئوية دنيئة، على حساب دماء الابرياء .

 

 

خروج الألاف إلى الشارع مرددين الشعارات المنددة بالطبقة السياسية المارقة، لا يعني رفض إجراءات الإقفال العشوائية والتجويعية وحسب، بل يؤكد فقدان الثقة بالمنظومة الحاكمة الفاشلة والعاجزة، عن إدارة مجموعة الأزمات المتناسلة والتي أوصلت البلاد إلى هذا الدرك من التدهور والإفلاس .

 


لا بدّ من التساؤل عن الأهداف الكامنة  وراء عمليات  التعطيل الممنهج لتشكيل حكومة مهمة في هذه الفترة بالذات؟ هل هي محاولة لتخفيف الضغوط التي يتعرّض لها الرئيس جرّاء العقدة الكأداء التي فرضها مع جبران باسيل في عملية تشكيل الحكومة، سواء لجهة مطلب الثلث المعطل، أو لجهة تسمية جميع الوزراء المسيحيين، وبالتالي نسف مطلب تشكيل حكومة مهمة من الاختصاصيين غير السياسيين وغير المنتسبين للاحزاب، وفق رؤية الرئيس المكلف سعد الحريري، والتي يسانده فيها البطريرك بشارة الراعي . 

 

 

فالتعطيل الذي يمارس لتأليف الحكومة دفع البطريرك الماروني بشارة الراعي لان يرجح المنطق الذي يعتمده رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري في ظل تساؤلات يثيرها سيد بكركي عمن لديه مصلحة في تعطيل التوافق على حكومة انقاذية. 

ولموقف البطريرك اهميته وصداه في هذا الاطار ليس على صعيد منع حصول اصطفاف طائفي فحسب بل ان موقفه يمكن ان يكون له صدى خارجي يحمي المسيحيين لا سيما في دول الخليج في ظل استهداف عون وتياره للحريري تحت عناوين مختلفة فيما ان لموقف الراعي صدى داخليا خارجيا من حيث رؤيته الموضوعية المتصلة بالمحافظة على كيان لبنان ونظامه وعدم تغيير وجهه. 

 


 لانذيع سراً إذا قلنا أن أبواب الحل من الداخل قد أوصدت بحيطان من الأسمنت المسلح، بشكل قطع كل احتمالات التوصل إلى توافقات داخلية بحتة للخروج من هذا النفق المظلم، الأمر الذي جعل أنظار اللبنانيين تتجه، مرة أخرى، إلى الخارج الإقليمي والدولي، علّ الترياق يأتي من واشنطن أو باريس أو الرياض أو حتى طهران .

 

 

يمكن القول إن الحركة السياسية في البلاد قابلة لأن تتحرك على خطين دوليين متزامنين ومتوازيين. تحرك السفيرة الأميركية في بيروت دورثي شيا التي التقت الرئيسين ميشال عون ونبيه بري، والتحرك الذي ستجدده فرنسا في إطار إعادة إطلاق مبادرتها حيال الأزمة اللبنانية.

 

 

لا معلومات مؤكدة حتى الآن تفيد بأن هناك ارتباطاً وثيقاً بين تحرك السفيرة الأميركية في بيروت، وإعادة فتح ملف ترسيم الحدود، تزامناً مع المعلومات التي تؤكد بدء اتصالات فرنسية جديدة مع المسؤولين اللبنانيين لحثهم على التوافق حول ملف تشكيل الحكومة.

 

 

إلى جانب هذا التحرك الأميركي، ينتظر لبنان تحركاً فرنسياً أوسع في المرحلة المقبلة، من خلال الإهتمام بثلاثة ملفات أساسية، أولاً توفير بوادر الإتفاق على تشكيل الحكومة، والعمل على معالجة الملفات العالقة بين عون والحريري، وثانياً العمل على وضع خطة إقتصادية شاملة وواضحة المعالم، وثالثاً متابعة فرنسية حثيثة لملف مصرف لبنان والتدقيق الجنائي، والبحث أيضاً عن حلّ لهذه المشكلة وللإنقسام القائم حول حاكم المصرف المركزي. ليس بالضرورة أن تؤدي كل هذه التحركات في الفترة القريبة إلى حلول، إنما قد يستمر التعقيد على وقع التطورات الإقليمية والدولية، وفي ظل الإنقسام الحاد الذي تعيشه البلاد.


في الخلاصة، هل من باب للفرج، إن حضر الفرنسي من جديد؟


ثمة من اعتبر الموقف الفرنسي المتجدد بإعلان ماكرون عن اتفاق على تعاون فرنسي اميركي حول لبنان، نافذة أمل يفتحها ماكرون لحل أزمة تأليف الحكومة، حتى ولو بالفرض على اللبنانيين. وما كان ليعيد احياء هذه الفرصة لو لم يكن ماكرون مطمئناً للاميركيين وادارة جو بايدن.

 

ولكن هذا الاعتبار يضعف امام مقاربة اخرى، تستند الى صورة ابعد واكبر من لبنان، لتؤكّد أنّ ما ظنّه البعض فرصة حل في البيان الرئاسي الفرنسي الأخير، ليس سوى سراب، لن يتأخّر الوقت طويلاً قبل أن يتبدّد، ما يدفع إلى الاعتقاد انّ التسوية الداخلية ليست قريبة، لا سيما أنّ توقيتها المحتمل مضبوط على ايقاع التسويات الاقليمية الكبرى. وهذا يعني أن البلد مستمر بالانحدار الحالي من سيّئ لأسوأ، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً في ملفات المنطقة المعقدة وللحديث صلة .