إن محاولات إفشال المبادرة الفرنسية من قبل الشيعية السياسية بانتظار معرفة ساكن البيت الابيض الجديد ليس في صالح لبنان واللنانيين وليس في صالح الشيعية السياسية لأن ما جرى تقديمه اليوم قد لا يمكن الحصول عليه مستقبلا. وقد يكون الخطأ الاول هنا هو الخطأ الأخير وما قدمه ماكرون لن يقدمه ترامب الذي سيعود أقوى مما هو عليه اليوم.
 

لبنان ملعبٌ أم كيان؟ لبنان دولة ووطن أم كانتوتات طائفية؟ 

 


هذه الأسئلة ما زالت مطروحة منذ تأسيس لبنان ونيله الإستقلال، وقد أخفق اللبنانيون في التعامل مع استقلالهم المركّب أساسا على الطائفية، وأخفقوا في بناء دولة خارج الطوائف والمذاهب فبقي لبنان ساحة للصراعات والتناحر المذهبي والطائفي الأمر الذي ساعد أن يكون لبنان ساحة مفتوحة على كل الصراعات الدولية والإقليمية بل ساحة لتصفية الحسابات.

 

 

بقيت الطوائف لعنة وما زالت فاستغلها الخارج في مصلحته وحساباته، واستغلها اللبنانيون كزعماء وأحزاب للإمساك بالقرار السياسي حينا وللإمساك بالقرار الإقتصادي أحيانا كثيرة فذهب لبنان إلى الإفلاس والإنهيار بعد ما سُمي ببدعة الديمقراطية التوافقية الصيغة، التي أتاحت توزيع المغانم والحصص والمكاسب في تشكيل الحكومات وفي التعيينات السياسية والامنية والعسكرية كل ذلك على أسس طائفية ومذهبية كانت سببا رئيسيا لما وصلنا إليه من الفوضى السياسية والمالية والإقتصادية التي انهكت البلد وتكاد تقضي عليه.

 

 

في ذكرى مئوية لبنان  احتفل اللبنانيون وتطرق المسؤولون في لبنان (عون_ نصر الله_ بري) إلى ضرورة النقاش في عقد سياسي جديد يعيد إنتاج رؤية لبنانية سياسية قائمة على المدنية بعيدا عن لعنة الطوائف والمذاهب، وكان  سبق المسؤولين اللبنانيين الرئيس الفرنسي ماكرون بدعوته اللبنانيين إلى ضرورة النقاش بعقد سياسي جديد ينهي الأزمة ويفسح المجال لتطوير الحياة السياسية اللبنانية بما يتلاءم مع المستجدات وبما يضمن وضع الحلول اللازمة لمعالجة الازمة الاقتصادية والمالية.

 

إقرأ أيضا : الرئيس بري وحقوق الطائفة

 

 

فتحت دعوة الرئيس الفرنسي بارقة أمل تلقفها اللبنانيون بإيجابية لا سيما حزب الله وحركة امل الحزبان اللذان  يمسكان بقرار الطائفة  الشيعية وهي معنية بشكل أساسي كغيرها من الإستجابة لأي طرح جديد يتعلق بشكل أو بآخر بنظام الطوائف والمحاصصة الطائفية فكانت الخيارات مفتوحة على الإيجابية فجرى تكليف مصطفى أديب كبداية وكمحاولة أولى للسير في التسوية   الفرنسية في مرحلة هي الأخطر مما يمرّ على لبنان.

 

 

اليوم ومع السجالات القائمة حول تشكيل الحكومة القائمة على التعطيل ووضع العصي في الدواليب نستشعر من جديد انكفاء الشيعية السياسية واستمرارها في رفض أي صيغة جديدة للبنان قائمة على فكرة التجديد والتطوير السياسي لتبقى هذه الطائفة أسيرة الماضي وتوازناته التي غيرها الزمن وقضت عليها تطورات سياسية كثيرة  كفيلة وحدها  بالبحث عن صيغة جديدة نحن أحوج ما نكون إليها اليوم.

 

 

لقد بنينا آمالا كبيرة على مواقف الزعامة الشيعية الأخيرة مع بداية المبادرة الفرنسية إلا أننا مع الاسف نفاجأ اليوم بتراجع غير مبرر لا يمكن إلا أن نصفه بالتهور الذي لا طائل منه.

 


 
وكنا اعتقدنا حتى الأمس القريب دخلنا مرحلة النضوج الفكري والسياسي اكثر على مستوى  الزعامة الشيعية مقارنة بزمن التأسيس  للكيان  اللبناني، وكنا اعتقدنا أن وجود النائب محمد رعد في قصر الصنوبر  والحديث مع فرنسا الدولة الوحيدة المتمسكة  بعدم توصيف الشيعة وحزب الله تحديدا بالإرهاب دليل تقدم في التجربة الشيعية ودليل على الخروج من النفق التاريخي المظلم للطائفة، إلا أننا نفاجأ اليوم بخيارات مواقف لا يبررها أي عقل أو منطق ولا يبررها انتظار الإنتخابات الاميركية القادمة ولا يبررها انتظار الرئيس الأميركي القادم لأن الخيار يخص الطائفة الشيعية وحدها بغض النظر عن أي تغييرات سياسية دولية .

 

 

إن محاولات إفشال المبادرة الفرنسية من قبل الشيعية السياسية بانتظار معرفة ساكن البيت الابيض الجديد ليس في صالح  لبنان واللبنانيين وليس في صالح الشيعية السياسية نفسها لأن ما جرى تقديمه اليوم قد لا يمكن الحصول عليه مستقبلا.

 

 

وقد يكون الخطأ الاول هنا هو الخطأ الأخير وما قدمه ماكرون لن يقدمه ترامب الذي سيعود أقوى مما هو عليه اليوم.

والعاقل يحدد خياراته بدقة وعناية ولكن لا ينتحر.