يعيش عالمنا الإسلامي اليوم أخطر مراحله وتمر الأمة الاسلامية بظروف عصيبة و تواجه
أزمات كبرى وتحدّيات جسام تمسّ حاضرها و تهدّد مستقبلها ،ويدرك المتأمل المنصف مسيس الحاجة الى رصّ الصفوف ونبذ الفرقة والابتعاد عن النعرات الطائفية والتجنّب عن سائر ما يثير الخلافات المذهبية ، تلك الخلافات التي مضى عليها قرون متطاولة و لا يبدو في الأفق أي أمل أو سبيل الى حلّها بما يكون مرضيّاً و مقبولاً لدى الجميع ، وعلى ذلك لا ينبغي إثارة الجدل حول موضوعات الخلاف خارج إطار البحث العلمي الرصين ، و لاسيما انها لا تمسّ أصول الدين ولا أركان العقيدة ، فان الجميع يؤمن بالله الواحد الأحد و برسالة النبي المصطفى صلى الله عليه و آله و بالمعاد يوم القيامة وبكون القرآن الكريم ـ الذي صانه الله تعالى من التحريف ـ مع السنة النبوية الشريفة مصدراً للأحكام الشرعية كما يؤمن جميع المسلمين بمودة أهل البيت عليهم السلام ، و نحو ذلك مما يشترك فيه المسلمون عامة و منها دعائم الاسلام : الصلاة و الصيام و الحج و غيرها .
وعلى هذه المشتركات ينبغي التأكيد والتركيز لتوثيق أواصر المحبة و المودة بين أبناء هذه الأمة ، و لا أقل من العمل على التعايش السلمي بين المسلمين مبنياً على الاحترام المتبادل و بعيداً عن المشاحنات و المهاترات المذهبية و الطائفية أيّاً كانت عناوينها .
فينبغي لكل حريص على رفعة الاسلام ورقيّ المسلمين ،أن يبذل ما في وسعه في سبيل التقريب بينهم والتقليل من حجم التوترات الناجمة عن بعض التجاذبات السياسية او المعالجات الدينية على المنابر العامة والخاصة لئلا تؤدي الى مزيد من التفرق والضعف والهوان أمام مخاطر تحقيق مآرب الاعداء الطامعين في الهيمنة على البلاد الاسلامية و الاستيلاء على ثرواتها .
و لكن الملاحظ أن بعض العناصر والجهات يعملون على العكس من ذلك تماماً ويسعون لتكريس ثقافة الفرقة والانقسام وتعميق هوة الخلافات الطائفية بين المسلمين ، و قد زادوا من جهودهم في الآونة الأخيرة بعد تصاعد الصراعات السياسية في المنطقة واشتداد النزاعات على السلطة والنفوذ فيها ، فقد جدّوا في محاولاتهم لإظهار الفروقات المذهبية ونشرها بل والاضافة عليها من عند أنفسهم مستخدمين أساليب الدسّ والبهتان لتحقيق ما يصبون اليه من الإساءة الى مذهـب معين هنا والتـنقيص من حقوق أتباع مذهب هناك ،وتخويف المسلمين من بعضهم البعض .وفي إطار هذا المخطط تنشر بعض وسائل الإعلام ـ من الفضائيات ومواقع الانترنيت و المجلات وغيرها ـ بين الحين و الآخر فتاوى غريبة تسيء الى بعض الفرق والمذاهب الاسلامية بغرض زيادة الاحتقان الطائفي وصولاً الى أهداف معينة باتت واضحة بعدما آلت الامور الى ما نشهده اليوم من عنف أعمى يضرب في كل مكان وقتل فظيع لا يستثني أحداً .
وبناءً على ذلك يحق لنا أن نسأل : أما آن الآوان للمرجعيات الدينية كافة سنية وشيعية وإنطلاقاً من فقه أخلاقيات النبي محمد (ص) حيث تنازل عن تدوين آية ضمن وثيقة التفاهم مع المشركين في الحديبية كرمى لعيون الصلح والسلام بين أمة العرب ،وإنطلاقاً من عقليات الإمام علي(ع) وروحانيات الإمام زين العابدين(ع) ودم الإمام الحسين الشهيد(ع) وصلح الحسن المجتبى ومن مداد الإمام علي بن موسى الرضا(ع) إلى سلام المخلص الموعود وما يتفاعل بينهم من تأصيل للفكر وتواصل مع الأمة وإحترام هويتها وتقديس دماء أبنائها ووأداً للفتنة .. آما آن الآوان لإصدار فتاوى تحريم الإساءات المتكررة الّتي تنطلق بها بعض وسائل الإعلام والفضائيّات، وبعض منابر التطرف الشيعي والسني ، لاسيما ما يتّصل منها بالإساءة إلى الرّموز الإسلاميّة التاريخيّة والصّحابة الكرام وأمّهات المؤمنين .
ومع الإستنكار الشديد لما تتعرض له سائر المقدسات والحرمات الإسلامية السنية والشيعية وسـواء كان الفاعلون من سفهاء الشيعة أم من سفهاء السنة أم كان الفاعلون من المستخدمين لدى أجهزة الإستخبارات التي تعمل ليل نهار لإشعال حرب المائة عام بين المسلمين والتي تحدث عنها الكثيرون فيما مضى ضمن نبوءات تحليلية لمستقبل المنطقة العربية.. نسأل مرة أخرى: أمـا آن الآوان لوقـفة جريئة لمعالجة تشوهات الهوية الدينية ومفاهيم الإنتـماء المذهبي؟! أما آن الآوان لإنتـفاضة جريئة بميـثاق شـرف أخلاقي للقيادات الدينية والسياسية التي تمتلك كثيراً من مفاتيح العقد والحل في محاولة لإسترجاع ما ضاع من الدين والشرف والقيم والأخلاق ،في شرق ينزف ويكاد يضيع بأبنائه وفي أمة صارت كالأكلة ...
وإنني أدعو أمام هذه الإعتداءات السافرة على المساجد والحسينيات والمراقد وقبور الصالحين والتي تفتح شهية المتربصين من رموز التحريض الطائفي ،الى وجوب محاكمة إعلام الفتن وقنواته السياسية والدينية . 
فإنه مما يحز في النفس ويميت القلب هو ما نشاهده اليوم من فضائيات الفضاء المفتوح التي تنتمي إلى مذاهب وطوائف إسلامية متعددة ، وكل منها يحمل إسماً أخلاقيا أروع من الآخر من دون أن يحكي الإسم عن المسمى ، فلا يمكن لنا أن نعتبره خطابا دينيا صالحاً ، بل هو متخلف دينيا وأخلاقيا، إذ لا شغل لهذا الفضائيات إلا التكفير والإساءة والإهانة والتجريح والقدح والذم وبجميع وسائل التلويح والتصريح . وأكاد أسميها فضائيات الحقد وترويج الكراهية وزرع الفتن فيما بين المسلمين .
وتراني أسأل : هل بهذا الإسفاف والحقد المتفجر عبر أثير فضائياتنا الدينية يتحول السنة إلى شيعة ؟ وهل بهذه الشتائم والضغائن ينقلب الشيعة إلى سنة ، وهل ما نسمعه في إعلامنا الديني هو فعلا قيم شيعية وسنية تهدف إلى هداية المسلم ورعايته الروحية . ثم ألا يدرك المتورطون بالسجالات العصبية على صفحات الفيس بوك من متطرفي السنة والشيعة أنهم يدعمون بسلوكهم وكلماتهم المشروع الصهيوني لتقسيم الأمة والمنطقة وإعادتها إلى ما كانت عليه عشية الحرب العالمية الأولى .
وفي الختام نسأل أيضاً :ماذا ينفع إذا تحول شيعة العالم إلى سنّة أو تحول سنّة العالم إلى شيعة أو صار المسلمون مسيحيين أو تحول المسيحيون إلى مسلمين ثم بقيت عقولنا وضمائرنا ونفوسنا على ما هي عليه،هل ستنتهي مشاكل العالم المتمثلة بوجع الإنـسان وجـوعه وأزمة الأخلاق العالمـية وشحوبها وتشـوه الحضارة ووجوهها وإحتراق الجغرافيا وسحق البشرية بسبب التاريخ الذي لا يريد أحد إعادة كتابته لتصحيحه ،بل يريدون الإبقاء على مكامن الخلل والزور الفاضح فيه ،ليبقى مصدراً لتوليد الجرائم المرتكبة اليوم بحق الله والإنسان والأخلاق والحضارة والجغرافيا .