ووسط هذه المشاهد كل الأنظار الدولية مسلطة على لبنان وخصوصاً أميركياً حول ما ستقدم عليه الحكومة.
 

بعد انحسار انتشار جائحة كورونا نسبياً يسعى العالم كله إلى إعادة ترتيب أولوياته. 

 

الدول الكبرى والصغرى تحاول ذلك، مثلما تحاول قوى سياسية وتيارات شعبية ومحاور. حيث لم يمنع انتشار كورونا تعميق التوتّرات الأساسية في الشرق الأوسط. تفاقمت التباينات الأميركية الروسية من جهة، والمواجهة الأميركية الإيرانية من جهة ثانية . 

 


يتصرّف الأطراف في المنطقة تحت ضغط الاشتباك، من ليبيا إلى سوريا والعراق، وتحت وطأة انتظار الانتخابات الرئاسية الأميركية في 3 تشرين الثاني المقبل. ولا يخفي خصوم السياسة الأميركية رهانهم على استمرار موجة الاحتجاجات والانقسام داخل الولايات المتحدة في أعقاب مقتل المواطن جورج فلويد، بحيث يصل الرئيس ترامب منهكاً إلى امتحان الولاية الثانية .

 


ومقابل التحفّظ الروسي الرسمي في التعامل مع الحدث الأميركي، والإعلان عن تواصل هاتفي بين الرئيسين بوتين وترامب، شنّ المرشد الإيراني حملة على الإدارة الأميركية، وظهرت آمال في طهران بأن تقود الاحتجاجات وموجة كورونا إلى تغيير في رأس هرم السلطة في واشنطن. وعلى النحو ذاته، صدرت تعليقات رسمية وشبه رسمية في تركيا، من دون أن تلامس حدّ تمني تغيير الإدارة .

 


ويبدو الموقف الإيراني مفهوماً، إذ إنّ كل ما يُسهِم في إضعاف ترامب سيكون مكسباً. فترامب هو المسؤول عن الانسحاب من الاتفاق النووي، وهو الذي يقود حملة شرسة لمعاقبة طهران وأذرعها في المنطقة، وفي رعايته، صدر قانون قيصر الذي سيزيد الضغوط على القيادة الإيرانية وعلى نظام الأسد وحزب الله  . 

 


لبنان اليوم عالقٌ في المتاهة الإيرانية السورية، ووظيفة سلطته، بدلاً من الاجتهاد للخروج من أزمته الاقتصادية والمالية والاجتماعية، توفير الأرضية المناسبة للدفاع عن مصالح إيران ونظام الأسد.

 

إقرأ ايضا : وحدها السلطة تعيش على أوهام الإنجازات

 

غير أن ذلك لن يوقف مطلب اللبنانيين ، في استعادة دولتهم، وإنقاذ اقتصادهم، وإعادة إطلاق النمو والازدهار. ولذلك فإن أفلام الأيام الأخيرة في شوارع بيروت، ذات الإخراج التدميري والتعايشي الرديء، يصعب أن تقف عائقاً أمام استمرار انتفاضة اللبنانيين، وهو ما أكدته تحرّكات نهاية الأسبوع تحت عنوان البديل موجود، وهو ما ستنحو إليه التطورات المرتقبة.

 


 وسط هذه الاجواء يجمع المراقبون عن متغيرات قد تظهر جليا مطلع الشهر المقبل، والتي قد تبدل قواعد اللعبة الدولية، وسط توقعات عن اتفاقات يجري الاعداد لها ركيزتها الولايات المتحدة وروسيا. وتتحدث بعض المصادر ان ما تشهده المنطقة من تطورات ميدانية ان في سوريا او غيرها قد يتأثر بها لبنان بشكل مباشر، وبالتالي فإن القطيعة العربية لبعض الدول العربية المنضوية تحت راية الجامعة العربية ومن بينها لبنان، نابعة عن سياسات خارجية غير مألوفة لا في المضمون ولا في الشكل، والتي تسببت بأزمة ثقة كبيرة بين تلك الدول. فالمؤشرات إلى التصعيد تتزايد. وهناك أبواب جديدة من العقوبات يتردّد أنّ الأميركيين قد يفتحونها. ومنها مثلاً الدعاوى المرفوعة على مصارف لبنانية كبرى في نيويورك منذ سنوات، بتهمة سماحها بتمرير أموالٍ لـحزب الله فيها، ما شكّل تهديداً بدخول هذه الأموال إلى النظام المصرفي الأميركي. وحتى اليوم، كان القضاء الأميركي يتعاطى مع هذه الدعاوى بتباطؤ. وقد يستعجلها فجأة.

 


في هذا الخضم، تتواتر معلومات متشائمة عن احتمال الحصول على مساعدات من صندوق النقد الدولي. وفي العمق، ستكون المفاوضات الحالية مع الصندوق لتقطيع الوقت واستدراج لبنان إلى الإصلاح المطلوب. أما الضوء الأخضر للمساعدة فلا يأتي إلّا من واشنطن. وكذلك سيدر وأي مساعدات أخرى. 

 


يتقاطع كل ذلك، مع ما تشهده  الساحة اللبنانية، من تصاعد  الازمات والتحديات، الاقتصادية  والمالية والمعيشية والامنية، بالتوازي مع المسار الدراماتيكي، لسعر  صرف  الدولار، في وقت  كان  اللبنانيون يتابعون خطة الخفض  التدريجي للدولار لدى الصرافين، وقد  فوجئوا بانقلاب، احدث صدمة  بالغة الخطورة، بالتوازي مع تواصل الازمات المعيشية والصحية. والمرتبطة  بالازمة  المالية والسياسية، وتضعضع  العلاقات مع الخارج، القريب والبعيد، ولكي يكتمل النقل بالزعرور اتت الدعوة الى الحوار في القصر الجمهوري الاسبوع المقبل ،والسؤال الحوار حول ماذا؟ هل حول خطة الكهرباء التي تراجعوا فيها عن قرار لمجلس الوزراء بتأجيل بناء معمل سلعاتا؟ ام عن تعيينات المحاصصة الواضحة؟ وحسب المصادر ما لم تكن هناك خطوات عملية مباشرة للحوار لإنقاذ البلاد مما تتخبط فيه، فلا جدوى للحوار  وما يظهر ان الحكومة  اللبنانية، غير  قادرة  على  تسجيل انجازات تذكر، في اي  من المجالات الحياتية، وقد  كشفت التعيينات الادارية والمالية، الاخيرة، حجم  سيطرة المحاصصة والمصالح  الفئوية،  على الوضع العام، الذي  بدء  يتعرض لاهتزازات امنية ، ما دفع  كلا من مصر والسعودية  والكويت، كما وفرنسا، للدخول  على الخط، كل على  حدة .   واكدت ان بعض الدول العربية لاسيما الخليجية تعمل بسياسة الديبلوماسية الهادئة والفعالة، وهي لا تريد اطلاقا إقحام نفسها في الشأن الداخلي. وأكدت أن دول الخليج لم تكن يوما طرفا في معادلة الخصوم بل كانت مظلة للجميع. الا ان المراجع اعتبرت انه لا يمكن لاي دولة عربية أم أجنبية إرغامها على التعاون او التعامل مع اي حكومة جديدة، وبالتالي لا يمكن اتباع سياسة الاخذ والرد ما لم تكن سياسات الدولة الخارجية واضحة الاتجاهات والاهداف، وبعيدة عن السياسة العدائية لبعض دول الخليج.

 


 في الختام، ووسط هذه المشاهد كل الأنظار الدولية مسلطة على لبنان وخصوصاً أميركياً حول ما ستقدم عليه الحكومة. الرسائل الدولية والأميركية كانت محذرة إلى حدّ بعيد من الإستمرار باتخاذ قرارات مشابهة لقرار التعيينات. لبنان مقبل على مرحلة سيئة وسوداوية، هناك من يحاول الدخول في سباق معها، لكن الأكيد أن الآتي أسوأ وأعظم.