يقول متتبعون للاوضاع بمختلف اصعدتها وتطوراتها، انّ الكلام الجاري في بعض الاوساط السياسية عن تغيير حكومي متوقع ليس ناجماً من فراغ، وانما ينطلق من معطيات يجري البحث فيها داخل بعض الغرف المغلقة، لجبهتي الموالاة والمعارضة على حد سواء، وإن كانت الدوافع إليه متناقضة.
 
 
مبعث الكلام على هذا التغيير ثابتة يرتكز اليها العاملون عليه، هي انّ الحكومة العتيدة ستكون «حكومة انتخابات رئاسة الجمهورية»، سواء أُريد لهذه الانتخابات ان تكون مبكرة أو في موعدها الدستوري الطبيعي. والساعون، او الدافعون الى هذه الحكومة، هم الطامحون لرئاستي الجمهورية والحكومة واعوانهم والحلفاء، وبعضهم يعمل بمفرده وعلى طريقته، والبعض الآخر يعمل بالتكافل والتضامن بين الطامحين للرئاستين. على انّ هذين الفريقين يلتقيان على طرح سؤال واحد هو: الى متى ستبقى حكومة الرئيس حسان دياب؟. وفيما بدأ الاستطلاع والاستعلام عن البديل لهذه الحكومة، يسارع هؤلاء الطامحون الى التأكيد «انّ تجربة حكومة دياب، حكومة اللون الواحد قد فشلت، وانّ القيمين عليها لا يريدون الاعتراف بهذا الفشل».
 
ويقرّ هؤلاء انّ دياب نجح في دخول نادي رؤساء الحكومات، ولكنه لم يتمكن من رفع الحصار المفروض عليه اقلّه خليجياً، حيث أنّ المقاطعة الخليجية لحكومته واضحة، لأنّ دول الخليج تعتبرها «حكومة اللون الواحد» او «حكومة حزب الله»، على رغم من انّ مساعد وزير الخارجية الاميركي ديفيد شينكر، رفع في تصريحات أخيرة له هذه الصفة عنها، وقال انّها ليست «حكومة حزب الله» وانّ الحزب هو فريق سياسي مشارك فيها.
 
ويقول هؤلاء، انّ فرنسا الداعمة لحكومة دياب «بدأت تبتعد عنها اكثر فأكثر»، فيما الاميركيون يكررون توجيه الدعوات اليها لتنفيذ الاصلاحات التي تضمنتها «خطتها الانقاذية». ويشير مطلعون على الموقف الاميركي الى انّ الولايات المتحدة «ليست على علاقة جيدة» برئيس الحكومة، ويرفض هؤلاء كشف اي تفاصيل في هذا الصدد.
 
على انّ العاملين على تغيير الحكومة، يقولون «انّ من دواعي تغييرها انّها غير مؤهّلة للتعاطي مع العواصف الآتية محلياً واقليميا ودولياً، واول هذه العواصف، بعد العاصفة الاقتصادية والمالية التي تضرب البلاد، «قانون قيصر» الاميركي، في الوقت الذي بدأت تغيب هذه الحكومة عن الخطاب السياسي لبعض عرّابيها وداعميها منذ اسابيع، الى درجة انّ احد الاقطاب السياسيين لا يجزم برحيلها، ولكنه يقول انّ لا احد من الافرقاء السياسيين المعنيين بها يقول برحيلها، ولكنه في الوقت نفسه ليس مستعداً لدعمها، او الدفاع عنها، خصوصاً بعدما صار يغلب عليها في الآونة الاخيرة طابع التراجع عن قرارات تتخذها، والمثال موضوع معمل سلعاتا لتوليد الطاقة الكهربائية، الذي أُعيد الى خطة الكهرباء، بعدما كان اتُخذ قرار باستبعاده منها واقتصار المعامل على الزهراني ودير عمار فقط.
 
والطامحون الى التغيير الحكومي يعتقدون انّ المهمة الاساسية للحكومة الجديدة هي التحضير لانتخابات رئاسة الجمهورية، ويتحدثون عن نشاط ملحوظ في «بيت الوسط» في موازاة حراك ديبلوماسي يسأل الى اين حكومياً؟ في ظلّ اعتقاد البعض بأنّ مفعول الحكومة الحالية «قد انتهى وانّها باتت لا تساعد بعض المرشحين الرئاسيين في الوصول الى رئاسة الجمهورية، حيث انّهم فقدوا بسببها فريق 14 آذار وعلى رأسه تيار «المستقبل» وبعض افرقاء قوى 8 آذار».
 
ولذلك، يقول البعض انّ هناك بحثاً جدّياً عن «تسوية رئاسية» جديدة، على غرار التسوية التي حصلت عام 2016 وجاءت بالعماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية والرئيس سعد الحريري الى السرايا الحكومي. ولكن هذه التسوية كانت سقطت باستقالة الحريري في تشرين الاول الماضي، بعد ايام على انطلاق الحراك الشعبي الذي عمّ البلاد، ومن ثم استنكافه عن قبول التكليف لتأليف حكومة جديدة. ويُقال انّ تلك التسوية كانت تلحظ في بنودها غير المكتوبة ان يبقى الحريري في رئاسة الحكومة طوال ولاية عون البالغة 6 سنوات، ثم لـ 6 سنوات اخرى بعدها، في حال وصول رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل الى سدّة رئاسة الجمهورية خلفاً لعون.
 
ويبدو، حسب مطلعين، انّ باسيل يعمل حالياً على هندسة «تسوية رئاسية جديدة» لاقتناعه بأنّ حكومة دياب لن تساعده في تحقيق طموحه الرئاسي. وقد لوحظ في هذا المجال انّ السجال توقف في الآونة الاخيرة بين «التيار الوطني الحر» وتيار «المستقبل»، وبات يصدر عن الطرفين كلام مفاده انّ الخلاف بينهما هو «خلاف سياسي وليس خلافاً شخصياً». ويقول المطلعون، انّ باسيل «يريد حكومة تدعمه للوصول الى رئاسة الجمهورية، وانّه وفريقه وفي ظلّ التركيبة الحالية لمجلس النواب، يحبذون احياء التسوية الرئاسية مع الحريري وتيار «المستقبل»، ولكنهم في الوقت نفسه يدركون انّ هناك مرشحين آخرين جدّيين لرئاسة الحكومة، يمكن ابرام تسوية رئاسية معهم أيضاً، وبعض هؤلاء يجرون حالياً اتصالات مع القوى السياسية البارزة لتسويق ترشيحهم، ومنهم من يتمتع بحيثية ملحوظة ولا ينتمي الى نادي رؤساء الحكومات، ويتمتع بمواصفات تليق بالمرحلة التي تمرّ بها البلاد.
 
على انّ باسيل وفريقه يحبذون ان تكون الحكومة جديدة بتركيبتها ورئاستها، تحظى بدعم اقليمي ودولي، فضلاً عن الدعم المحلي، يرونه الآن غير متوافر في حكومة دياب. ويشدّدون على انّ من سيشارك فيها يجب ان يدعم باسيل رئاسياً، بحيث يمكن الاستثمار في علاقات رئيسها ووزرائها العربية والدولية لدعم ترشيح باسيل الرئاسي، ومنع حصول اي «فيتو» خارجي عليه، تماماً كتجربة عون - الحريري، حيث انّ الاخير رفع «الفيتو» الخارجي عن الاول بنتيجة التسوية التي حصلت بينهما.
 
لذلك، فإنّ ما يجري الآن هو استدراج عروض لتسوية رئاسية جديدة، ولكن قبل كل شيء، ينتظر الجميع «قانون قيصر» وما سيكون له من تداعيات على لبنان وعلى استحقاقاته الراهنة والمستقبلية.