لا للاحتفالات بالانتصار لم نعد نريد احتفالات ولا خطابات، كل ما نريده هو استعادة الدولة واستعادة انوالنا المنهوبة واستعادة حقوقنا المسلوبة، كل ما نريده اليوم هو محاسبة كل المسؤولين والمتورطين والمتواطئين في انهيار البلد وعندها فقط ننتصر وعندها فقط يستحق منا هذا الانتصار أن نحتفل .
 

نحتفل ويحتفل اللبنانيون اليوم  بالذكرى العشرين لاندحار العدو الاسرائيلي من الاراضي اللبنانية المحتلة، وقد سجل هذا الإنسحاب المخزي لجيش العدو علامة مضيئة في تاريخ لبنان، إذ استطاعت المقاومة اللبنانية بما فيها الاسلامية والوطنية ببركة دماء الشهداء وصمود اللبنانيين وتضحياتهم أن يفرضوا الإنسحاب المذلّ لجيش العدو عام 2000 ليبدأ لبنان مرحلة جديدة وتحديات جديدة .

 

 

فرح الانتصار حينذاك كان السمة الابرز لدى جميع اللبنانيين دون استثناء، للانتصار طعم العزة والكرامة في زمن الحديث عن التسويات والمفوضات بين العدو الاسرائيلي وبعض العرب حينذاك فسجل لبنان انتصاره التاريخي هذا ليفرض معادلة جديدة في المقاومة والسياسة .

 

 

ماذا بقي من هذا الانتصار بعد عشرين عاما؟

 

هذا السؤال الذي يتردد اليوم بكل ألم وحسرة ووجع، وغيره اسئلة كثيرة تطرح نفسها، أين لبنان المنتصر على أعتى الجيوش في الشرق الاوسط؟ أين هو لبنان الذي فاخر بانتصاره وقوة مقاومته وتضحيات شعبه؟ أين نحن اليوم من هذا الانتصار؟ ماذا فعلنا لنخافظ على هذا الانتصار؟

 

 

الجواب وبكل اختصار: للاسف لم نفعل أي شي، وبشكل أدق انتصرنا على العدو وخسرنا الدولة والوطن، انتصرنا على العدو عسكريا ولكن هُزمنا شرّ هزيمة في بناء دولة القانون والمؤسسات، انتصرنا على العدو وقمنا بخيانة شعبنا وشهدائنا فلم نكن على مستوى دماء  الشهداء ولم نكن على مستوى من تضحيات اللبنانيين، هؤلاء اللبنانيون الذي يعيشون اليوم أقسى الازمات الحياتية والمعيشية في تاريخهم.

 

اقرا ايضا : مَن سيحرر القدس؟!

 

 

انتصرنا على العدو وخسرنا الدولة والمؤسسات والشعب بعد عشرين عاما.

 


ذهبنا الى الاحتفالات، وغرقنا جميعا في نشوة الانتصار، في نشوة الغرور والاستعلاء والشعارات وبقي الانتصار مكانه، مكانه في الزمن والتاريخ وسقطنا جميعا في فخ الغرور الذي أعمى قلوبنا و"بصريتنا" عن ملازمة الواقع الجديد وعن الإنصراف للمحافظة على هذا الانتصار في بناء الدولة وتعزيز المجتمع بما ينسجم مع أي تحديات أخرى اجتماعية وسياسية، وبقي  تحدي العدو الاسرائيلي هو الاولوية فذهبنا الى المزيد من التسليح فيما تُرك الشعب لمصيره، ذهبنا الى المحافظة على قوة الردع وتحت هذه الاولوية ترك الوطن لمصيره وسكتنا عن ابشع جريمة في تاريخ لبنان ألا وهي سرقة الدولة وماليتها ومقدراتها وخزينتها بل وحمينا كل اللصوص ودخلنا في التسويات على حساب الوطن كله فخسرنا الوطن والدولة والمؤسسات والشعب وها نحن اليوم نخسر الانتصار.

 

 

كنا نريد أن ننتصر وما زلنا، نريد أن نفرح بانتصاراتنا كشعب، ولكننا فقدنا القدرة على الفرح في وقت فقدنا الوطن كله وكل مقوماته.

 

 

أي انتصار نحتفل لأجله اليوم ونحن بلا دولة وبلا مؤسسات وقد غرقنا في خطابات الشعارات الفارغة التي لم تستطع بعد عشرين عاما ان تنتصر في بناء دولتنا ووطننا حتى وصل بنا الامر إلى هذا الإنهيار المفجع وما زلنا نحتفل.

 

 

ما زال المسؤولون اللبنانيون يصرون على وقاحتهم فيخرجون علينا اليوم ومنذ ايام بتمجيد الانتصار ليبقى هذا الانتصار الشمّاعة التي تقتل المزيد من الاحلام والطموحات في بناء الوطن.

 

 

انتصرنا على العدو الاسرائيلي لكننا أمام شرّ هزيمة في داخلنا، وأمام شرّ هزيمة في ذواتنا لأننا لم ننتصر في بناء وطن ولم ننتصر في بناء دولة ولم ننتصر في الإستجابة لشعبنا الذي صمد وضحى وجرح  واستشهد  لأجل هذا الوطن.

 

الانتصار الذي نريده هو أن نحمي الوطن من اللصوص وأصحاب الشركات وهو أن نحمي الوطن من المحاصصة والمحسويات وهون ان نحمي الدولة من السارقين ومافيات الدولار وهو أن نحمي المجتمع من براثن الفساد والنهب والسرقة وهو أن نحمي هذه "الكرامة" التي نختبئ خلفها في تمرير كل الصفقات والتسويات على حساب الوطن والشعب والامة.

 

لا للاحتفالات بالانتصار لم نعد نريد احتفالات ولا خطابات، كل ما نريده هو استعادة الدولة واستعادة انوالنا المنهوبة واستعادة حقوقنا المسلوبة، كل ما نريده اليوم هو محاسبة كل المسؤولين والمتورطين والمتواطئين في انهيار البلد وعندها فقط ننتصر وعندها فقط يستحق منا هذا الانتصار أن نحتفل .