في زمن الـ«كورونا»، تنبّهت الدولة إلى وجود مستشفيات حكومية في المناطق لطالما بقيت مهملة. خطة تجهيز المستشفيات الصادرة عن غرفة العمليات الوطنية لإدارة الكوارث الحكومية، السبت الماضي، شملت أحد عشر مستشفى حكومياً في المحافظات كافة، تُجهز حالياً لاستقبال الحالات المصابة بالفيروس. في الجنوب والنبطية والبقاع الغربي، اختيرت مستشفيات صيدا والنبطية وبنت جبيل ومشغرة لاستقبال المصابين. لكن لائحة المختبرات المعتمدة لإجراء الفحص، لم تشمل أيّ مختبر في هذه المناطق.
 
تريد الدولة من مستشفياتها أن تلعب دور «البطولة» في مواجهة الوباء بـ... 75 مليون ليرة قدّمتها الهيئة العليا للإغاثة لكل منها، ما دفع بعضها إلى الاعتماد على مبادرات بلدية وأهلية. مستشفى صيدا الحكومي الذي أعلنت بلدية المدينة نيتها دعمه أعلن جهوزية الطابق الثاني لاستقبال الحالات المحتملة، في حين يستمر العمل على تجهيز الطابق الأول وأحد قسمَي الطوارئ، بانتظار تحويل مبالغ إضافية ومعدات من الوزارة، ولا سيما أجهزة التنفّس وأدوات الوقاية الخاصة بالطاقم التمريضي والطبي، فضلاً عن استحداث مصعد خارجي خاص بقسم «كورونا». في وقت أن مستشفى حمود الجامعي سيبدأ اليوم باستقبال المصابين بالفيروس ليكون أول مستشفى خاص في الجنوب والنبطية ينضم إلى خطة الطوارئ الوطنية.
اللمسات الأخيرة توضع على مستشفى بنت جبيل الحكومي. مدير المستشفى الدكتور توفيق فرج قال لـ«الأخبار» إن أحد طوابق المبنى (يضم 24 سريراً) حُوّل إلى قسم خاص بالحجر، إلى جانب غرفة عزل (بالضغط السلبي) تضم سريراً واحداً. واستُحدث للطابق مصعد ومدخل مستقلان. وخارج المستشفى، قدمت الوحدة الإيطالية العاملة ضمن اليونيفيل غرفة رعاية أولية لاستقبال الحالات المشتبه فيها كبديل عن قسم الطوارئ، فيما يُنتظر استلام معدات إضافية من الوزارة. علماً أن الإهمال ضد «بنت جبيل الحكومي» طاول البنية الوظيفية وأثّر على عدد من الممرضين والأطباء، ما دفع وزير الصحة حمد حسن إلى منح فرج موافقة استثنائية للتعاقد مع ممرضين جدد.
مدير مستشفى مشغرة الحكومي الطبيب عباس رضا لا يشعر بأنه قادر على تلبية «نداء كورونا» بالإمكانات المتواضعة التي خصّصتها الدولة للمستشفيات الحكومية. المستشفى، منذ تشييده وتجهيزه عبر مجلس الجنوب عام 2017، تُرك فريسة للإهمال، والوزارات المتعاقبة لم تشمله بالمليارات التي كانت توزعها على المستشفيات الأخرى، ما أدى إلى وضع غرفه الأربعين وغرفة العمليات والعناية بحديثي الولادة والأشعة والمختبر في «العزل».
 
فيما، «باللحم الحي»، شُغّل قسم العيادات الخارجية فقط. وبعدما أخرج وزير الصحة المستشفى من «الحجر»، ينتظر رضا اكتمال التجهيزات اللازمة كأجهزة التنفّس وجهاز الأشعة النقّال وتجهيز غرفة عزل الضغط السلبي، وسمح وزير الصحة له بالتعاقد مع ثمانية ممرضين وعدد من الأطباء الذين بدأوا بتجهيز الأقسام. رضا أكد أن الـ 75 مليون ليرة غير كافية للتشغيل والاستمرار، فقد «اشترينا لباس الممرضين الواقي بـ 35 دولاراً لكل قطعة ودفعنا سعر كل كمامة أربعة دولارات ونصف دولار»! علماً بأن المصلحة الوطنية لنهر الليطاني قدمت هبة عينية للمستشفى عبارة عن مواد تعقيم للعناية الشخصية وعيادة جاهزة لزوم العزل للمرضى قبل دخولهم.
أزمة المستشفيات الحكومية المهملة في الأطراف، ترافقها أزمة مستشفيات منسية كلياً في ظل رفض عدد من المستشفيات الخاصة الانضواء في المهمة. واستجابة لخطة الطوارئ الصحية، حرّك رئيس بلدية السكسكية علي عباس ملف مبنى مستشفى السكسكية الحكومي الذي تملكه وزارة الصحة والمقفل منذ سنوات. عباس قال لـ«الأخبار» إنه تواصل مع وزارة الصحة عارضاً استخدام المستشفى كمركز للرعاية الأولية لمرضى «كورونا» أو لأي استخدام آخر تفرضه الحاجة، ولا سيما أنه يضم 21 سريراً. «وفي حال لم تكن الوزارة قادرة على تشغيله، نطلب السماح لنا كبلدية بتشغيله بدعم من المؤسسات الدولية المانحة».
 
ماذا عن طرابلس؟
 
حتى ليل أمس، كانت الإصابات بفيروس كورونا المُستجد في طرابلس تقتصر على ست حالات فقط. المدينة التي يخشى كثيرون من أنها «تنام» على عدد كبير من الإصابات نتيجة «تمرّد» أهلها على تدابير التعبئة العامة، لا تزال - وفق الأرقام - «آمنة». علماً أن هذا «الأمان» مرتبط، حُكماً، بمحدودية القدرة على إجراء الفحوصات المخبرية الخاصة بالكشف عن الفيروس، إذ أن «خاصية» توفر الفحص محصورة حالياً بعدد من المُستشفيات الخاصة التي تصل كلفة الفحص فيها إلى 250 ألف ليرة (100 ألف رسم الطوارئ تضاف إلى تسعيرة وزارة الصحة المحدّدة بـ150 ألفاً)، ما يعني أن هذا «الترف» حكر على الفئات المتوسطة والمرتفعة الدخل في المدينة التي تسجل أعلى نسب الفقر في لبنان.
 
وعليه، فإنّ إجراء العدد الأكبر من الفحوصات المخبرية المجانية اللازمة في المرحلة المُقبلة للكشف عن أكبر عدد من الإصابات، متوقّف على جهوزية المُستشفى الحكومي الذي يُفترض أن يُصبح جاهزاً لاستقبال الحالات المُشتبه فيها لإجراء الفحوصات أو المُصابين بالفيروس.
مُدير المُستشفى ناصر عدره قال، نهاية الأسبوع الماضي، إن «ترتيبات استقبال الحالات المُشتبه فيها أنجزت»، و«ستبدأ عملية استقبال المرضى خلال أيّام بعد الحصول على جهاز كشف الإصابة بالفيروس». وأوضح أن المرحلة الأولى التي أُنجزت، بالتعاون مع وزارة الصحّة والهيئة العليا للإغاثة، تتضمن تجهيز 16 سريراً. أما المرحلة الثانية، في حال تفاقم انتشار الفيروس، فتشمل تخصيص طابق بأكمله للمصابين يضمّ 50 سريراً، على أن يُخصص المستشفى بكامله للمصابين في المرحلة الثالثة في حال تفشّي الفيروس على نطاق واسع».
مصادر في المُستشفى أكدت لـ«الأخبار» أن تلك التجهيزات التي يتم التحضير لها «لا تعني أنّ المستشفى سيبدأ على الفور استقبال المصابين»، مُشيرةً إلى أن المُستشفى «سيستقبل المرضى في حال بلغ مُستشفى رفيق الحريري الحكومي في بيروت طاقته الاستيعابية القصوى».
 
ماذا عن بقية المستشفيات الحكومية في بقية أقضية الشّمال؟ وفق عدد من المعنيين، فإنّ اعتماد هذه المستشفيات لاستقبال المصابين «غير وارد حالياً لأنها تفتقر إلى البنى التحتية والطاقم الطبي المطلوب، إلى جانب نقص التجهيزات»، و«كلّ ما يمكن أن تقوم به هذه المستشفيات حالياً هو تجهيز غرف عزل خاصة بالمصابين قبل نقلهم إلى بيروت».
 
أما المستشفيات الخاصّة فاكتفت بتقديم «خدمة» الفحص المخبري لتحقيق أرباح مالية. إلا أن الأخطر، وفق ما تؤكد مصادر مطلعة، أن بعض هذه المستشفيات «يتواطأ» مع بعض المُشتبه في إصابتهم على كتم نتيجة التحليل إذا جاءت إيجابية!