ما حدث في إيطاليا وبعده في فرنسا وإسبانيا فضيحة أوروبية بكلّ معنى الكلمة. وفي انتظار معرفة ما إذا كانت الصين، التي انطلق منها الوباء، استطاعت فعلا احتواءه، لابدّ من التوقّف عند الفضيحة الكبرى التي اسمها إيران.
 

من الآن، تبدو الحاجة إلى التفكير في عصر ما بعد كورونا. هناك قواعد جديدة للعيش في العصر الذي يبدو مُقبلا علينا. يكفي التفكير في ما إذا تبيّن أنّ عصر ما بعد كورونا سيفضي إلى جعل عدد أكبر من الناس يعملون من بيوتهم. هناك حاليا مليار بشري، في أقلّ تقدير، مُجْبَرون على ملازمة بيوتهم. يمكن أن يستمرّ ذلك لفترة طويلة. من بين هؤلاء يوجد عشرات الملايين الذين يمارسون عملهم المعتاد انطلاقا من البيوت. بات جهاز الكومبيوتر الشخصي يغني عن الكثير، خصوصا أنّه قادر على حفظ معظم الملفات المطلوبة التي يحتاجها الموظّف في متابعة عمله.

من بين الأمور التي لا بدّ من التوقّف عندها أنّ العمل انطلاقا من المنزل يوفّر الوقت وربّما المال. كثير من الوقت في أحيان كثيرة، خصوصا لدى الذين يحتاجون إلى ما يقارب ساعة من الزمن للوصول بالقطار إلى قلب المدينة.. وساعة أخرى من أجل العودة من المكتب إلى المنزل. أمّا لماذا يوفّر المال، فهذا عائد إلى أنّه لن تكون حاجة إلى تخصيص موازنة شهرية للانتقال من البيت إلى مكان العمل. سيغيّر ذلك الكثير، بما في ذلك الخطط الهادفة إلى توسيع شبكة القطارات في بعض المدن، وحجم الضغط على هذه الشبكة.

ستتغيّر أمور كثيرة في عصر ما بعد وباء كورونا الذي ليس معروفا كم سيدوم. هناك من يتحدّث عن شهر وعن اختراقات علمية تحققت، وهناك من يذهب إلى القول إنّ سنة ستمضي قبل اكتشاف لقاح أو علاج للفقير والغني والكبير في السنّ قبل الصغير. الأكيد أن عادات كثيرة ستتغيّر وأن عصر ما بعد كورونا سيكون مختلفا، خصوصا إذا زاد عدد الذين يعملون من منازلهم، مع ما سيستتبع ذلك من توترات داخلية بين الزوج والزوجة!

في كلّ الأحوال، هناك تجربة مختلفة يمرّ فيها العالم بعد توقف الحياة في عدد لا بأس به من المدن الكبرى، بينها باريس ونيويورك ولندن. الأكيد أن العالم سيجد العلاج واللقاح عاجلا أم آجلا، لكنه سيكتشف أن بيتك يمكن أن يكون مكتبك، أيضا مع ما سيعنيه ذلك من تغييرات على صعيد العلاقات الإنسانية التي تنشأ، عادة، بين الناس في ظل مكان العمل.

اللافت أيضا أنّ الأزمة الناجمة عن وباء كورونا ببعدها الجغرافي كشفت أمورا كثيرة على الصعيد السياسي والعلاقات بين الدول وحجم كلّ دولة وقدرتها على مواجهة مثل هذا النوع من الكوارث. فشلت إيطاليا فشلا ذريعا. تبيّن أن لا وجود لقيادة سياسية واعية، قادرة على التحرّك السريع. ما لم يساعد إيطاليا كونها الدولة الثانية في العالم من ناحية نسبة عدد الكبار في السنّ. شاخ المجتمع الايطالي ولم يستطع النظام الطبّي التكيّف مع وجود نسبة كبيرة من الكبار في السنّ بين الإيطاليين. ففي إيطاليا، توقّفت عائلات كثيرة عن إنجاب أكثر من ولد واحد أو ولدين في أحسن الأحوال.. هذا إذا أنجبت.

ما حدث في إيطاليا وبعده في فرنسا وإسبانيا فضيحة أوروبية بكلّ معنى الكلمة. وفي انتظار معرفة ما إذا كانت الصين، التي انطلق منها الوباء، استطاعت فعلا احتواءه، لا بدّ من التوقّف عند الفضيحة الكبرى التي اسمها إيران.

تقول الصين إنّ أيّاما عدّة مرت من دون تسجيل إصابات جديدة. هل هذا الكلام صحيح؟ هل شفيت الصين من وباء كورونا، أم أن هناك تعتيما كاملا على ما يدور فيها. الأكيد أن هناك تحسّنا، لكنّ ثمة حاجة إلى انتظار بعض الوقت قبل إصدار حكم نهائي في شأن النجاح الصيني حيث نقص كبير في الشفافية وفي الرغبة في التعاطي مع لغة الأرقام..

لكنّ الفضيحة الأكبر التي نتجت عن وباء كورونا، اسمها إيران. تحولّت “الجمهورية الإسلامية” إلى مركز لتصدير وباء كورونا. معظم الإصابات في لبنان، على سبيل المثال وليس الحصر، جاءت من إيران. مع مرور الأيّام سيتبيّن أن سوريا لم تسْلَمْ من انتشار كورونا، خلافا لما يدّعيه المسؤولون فيها. هذا عائد إلى أسباب إيرانية أيضا. أمّا العراق، فهو مستهدف إيرانيا بعدما غادرت “الجمهورية الإسلامية” عائلات عدّة من أصل عراقي كانت تقيم في أراضيها. نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” قبل أيّام تحقيقا من إحدى نقاط الحدود العراقية – الإيرانية عن عودة عراقيين إلى بلدهم، وعن محاولات إيرانيين المجيء إلى العراق من دون أن تكون لديهم الأذونات اللازمة، ومن دون ما يؤكد أنهم غير مصابين بكورونا. نشرت أيضا كلاما نقلا عن شبان عراقيين يصفون فيه مدى انتشار الوباء في مدن إيرانية عدّة..

لم يعد سرّا أن إيران تعاني من مشكلة كبيرة. في أساس هذه المشكلة غياب ما يكفي من الوعي السياسي لدى قيادتها من جهة، والرغبة في رفض التعاطي مع الواقع من جهة أخرى. تريد إيران الحصول على ما تحتاجه من مساعدات خارجية لمواجهة كورونا، من دون أي تغيير في سلوكها. أطلقت فجأة مواطنا فرنسيا تحتجزه في سياق سياسة ذات طابع ابتزازي لفرنسا كي لا تسلّم إيرانيا موقوفا لديها ومطلوبا في الولايات المتحدة. أعطت طهران إشارات كثيرة من أجل التحايل على السياسة الأميركية. كلّ ما تريده إيران هو استرضاء فرنسا، وتخفيف العقوبات الأميركية التي بدأت تعطي مفعولها وذلك من دون إجراء أيّ تغيير في سياستها الخارجية!

من حسن الحظ أن إدارة دونالد ترامب تعرف جيّدا ما هو المطلوب من إيران قبل أيّ خفض للعقوبات، خصوصا بعدما تبيّن أن النظام الإيراني بدأ يختنق نتيجة ضغط كورونا والعقوبات في الوقت ذاته.

في عصر ما بعد كورونا، لن يكون هناك تغيير في سلوك الناس فحسب، بما في ذلك بدء التفكير الفعلي في العمل من البيت، سيكون هناك أيضا تغيير في سياسات الدول. سيتبيّن أن الصين، التي تعتبر ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ما زالت تحتاج إلى كثير من الشفافية، وأنّ دولا أوروبية عدّة بدأت تعاني من التغيير الكبير الذي طرأ على تركيبتها السكانية بعدما زادت نسبة كبار السنّ فيها. لا شكّ أن روسيا تعاني، أيضا، من هذه الظاهرة التي ستكون لها نتائج كارثية على الاقتصاد في ظلّ الهبوط الكبير والمفاجئ في أسعار النفط.

تبقى إيران التي ما زالت ترفض أن تكون دولة طبيعية، تلجأ إلى صندوق النقد الدولي وتوسّط البريطانيين مع الأميركيين، حسب صحيفة “ذي غارديان”، ولا تريد الاعتراف بأن عليها تغيير سلوكها، وأن حجمها حجم دولة من دول العالم الثالث، بل أقلّ من ذلك..