في حين تفادت الحكومة إعلان القرارات الموجعة التي لمّح إليها دياب سابقاً من ضمن مسار الإصلاح والإنقاذ المالي الاقتصادي والخطة التي سيتمّ على أساسها التفاوض مع الدائنين، بدا الشارع متوثّباً بملاقاة المرحلة الجديدة القاسية وسط حِراكٍ واسع سُجّل في العديد من المناطق أمس متوعّداً السلطة وإجراءاتها المرتقبة، مع تَجاهُلٍ للتمدُّد المخيف لفيروس كورونا الذي انتقل من الاحتواء إلى الانتشار.
 

بعد الإعلان الرسمي لتعليق سداد إستحقاق اليوروبوند وبعد تغطية الباب العالي لذلك الإعلان يدخل لبنان رسمياً على عتبة الإفلاس وكان قد قام الرئيس حسان دياب بحملة ترويجية لذلك إنطلاقاً من عنوان مصارحة الشعب اللبناني ، واضعا اللبنانيين امام عجز الدولة عن حماية مواطنيها. معتبراً  إن هناك أوركسترا تعمل ضد البلد وتمارس الألاعيب ومحاولات تشويه الحقائق والتزوير عبر اختلاق الأكاذيب ورمي الاتهامات وتغيير الحقائق وتحرّض ضد لبنان لمنع الدول من المساعدة مالياً. وفي اعتقاد الكثيرين في بيروت والعالم العربي، أن مثل هذا كلام يسيء إلى الدول العربية التي يريدها دياب أن تساعد لبنان، لأنها في علاقاتها التاريخية مع لبنان، لم تكن تستند إلى الأوركسترات والتشويه، بل إلى استراتيجية واضحة ومعروفة تقوم على اعتبار لبنان بلداً عربياً شقيقاً وعزيزاً يستحق كل الدعم والمساعدة و تحرص على أن يبقى لبنان شقيقاً في الأسرة العربية، أو على الأقل أن ينأى بنفسه، كما يعلن، عن الصراع الإقليمي، لا أن يتحول منبراً للإساءة إلى أشقائه والتنكر إلى عروبته.  

 

 

السؤال البديهي اليوم هل سيكفي الدول والجهات الدائنة للبنان ان يعلن رئيس الحكومة عناوين مكررة لخطة اصلاحية قرن إعلانها بقرار تعليق سداد الدين لكي تفتح امام حكومته أبواب الاستجابة لدعم لبنان وعدم الاقدام على خطوات قانونية من شأنها تعريضه لاجراءات سلبية اكثر مما يتصور اهل السلطة، كما ان تساؤلات اخرى تفرض نفسها تلقائيا حيال ما أعلنه الرئيس دياب في كلمته من السرايا وتتصل بإصرار لديه على محاكمة السياسات السابقة وتحميلها تبعة الازمة الكبرى من دون ان يتنبه الى انه شريك أكثر القوى السياسية التي كانت ولا تزال مسؤولة عن هذه السياسات فيما بات هو شريكها ورأس حربتها اليوم . 

 

 

 لقد اعلن الرئيس دياب القرار في كلمة وجهها الى اللبنانيين من السرايا في حضور جميع الوزراء . في الواقع ان أحدا لم يفاجأ بالقرار النهائي الحاسم الذي اتخذته الحكومة اللبنانية بتغطية سياسية كاملة من تحالف السلطة الحاكمة بتعليق سداد استحقاقات الديون السيادية بدءا باستحقاق 9 آذار فان ذلك لا يخفف وقع حدث غير مسبوق وبالغ الخطورة في ابعاده ودلالاته ويتمثل في تخلف لبنان للمرة الاولى في تاريخه عن تسديد الديون ، علما ان حيثيات القرار التي اعلنها رئيس الحكومة لتبرير قرار تعليق سداد الاستحقاق اتسمت بطابع دراماتيكي يغلب عليه الاتجاه نحو مغامرة شديدة الغموض تضع لبنان امام مجهول في واقع انتسابه الى الاسرة الدولية . أن وقف السداد أُعطي أبعاداً جعلتْه امتداداً لتغيير الواقع الجيو سياسي للبنان وتعديل نظامه بالممارسة والقضم المتدرّج الذي اتخذ شكل تطويع الوقائع والتوازنات تارةً بالاغتيال وطوراً بعملياتٍ عسكرية، وصولاً إلى إمساك قوى 8 مارس بورقة الغالبية البرلمانية، بعد وصول حليفها إلى رئاسة الجمهورية، وأخيراً ولادة حكومة اللون الواحد. ومن خلالها تكريس هوية الاقتصاد المقاوم تحت عنوان الى الشرق در .

 

 

وفي هذا السياق جاء بما سبق أن طرحه الأمين العام لـ حزب الله السيد حسن نصرالله من خيار التوجّه نحو الشرق في سياق فتح الباب أمام خيارات بناء اقتصاد حقيقي بالتعاون الاقتصادي المتقدّم مع الصين وروسيا بالتوازي مع التكامل الاقتصادي مع الحلقة الأقرب، أي سوريا

 


 لقد سبق السبت الكبير قرارٍ اتخذه المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم ، وهو القرار الذي اعتُبر بمثابة7 أيارمالي مصرفي وانقلاباً على النظام الاقتصادي، كما وصفه الرئيس سعد الحريري، وبداية خطة تأميم ودفن للبنان الكبير في مئويته على حدّ وصف وليد جنبلاط.

 


ورغم تجميد النائب العام لدى محكمة التمييز القاضي غسان عويدات قرار إبراهيم ، فإن اندفاعة المدعي العام المالي التي اعتُبرت مشبّعة بالأبعاد السياسية عزّزت المخاوف من منحى لمعاقبة القطاع المصرفي وحاكم المركزي رياض سلامة على تعاونهم في ملف العقوبات الأميركية على حزب الله وفي الوقت نفسه تحويل هذا القطاع بدَل عن ضائع عبر تحميله لوحده وزر الانهيار المالي الذي يتركز في جوانب أساسية فيه على سياسات أفضتْ إلى عزْل لبنان عن محيطه العربي واسترهانه لمشروع إقليمي ناهيك عن الفساد المستشري ومزاريب الهدر المفتوحة.

 

 

وتخشى الأوساط المطلعة من سيناريواتٍ قاتمة للتخلّف غير المنظّم ترسمها مسارات مقاضاة دولية قد تحمل كوابيس لبيروت ويمكن أن لا تغيب عنها العوامل السياسية المتصلة بالواقع اللبناني، وكان لافتاً أن وكالة بلومبيرغ استبقتْ القرار المعروف بالتحذير من أن دياب ووزراءه يواجهون مهمة مستحيلة، وكذلك فإنّ حزب الله وحلفاؤه اعتبروا أنّ التخلف عن السداد يمكن أن يكون أفضل خيار للبنان وأنّ أي خطة لإعادة هيكلة الديون أو الإصلاح يجب أن لا تتضمن قرضاً من صندوق النقد الدولي.

 


وفي حين تفادت الحكومة إعلان القرارات الموجعة التي لمّح إليها دياب سابقاً من ضمن مسار الإصلاح والإنقاذ المالي الاقتصادي والخطة التي سيتمّ على أساسها التفاوض مع الدائنين، بدا الشارع متوثّباً بملاقاة المرحلة الجديدة القاسية وسط حِراكٍ واسع سُجّل في العديد من المناطق أمس متوعّداً السلطة وإجراءاتها المرتقبة، مع تَجاهُلٍ للتمدُّد المخيف لفيروس كورونا الذي انتقل من الاحتواء إلى الانتشار.