ما بات واضحاً ان مرحلة جديدة بدأت ومعها سيشهد لبنان الكثير من المتغيّرات والتحوّلات على اكثر من صعيد، لا سيما في ظل التطورات الإقليمية والدولية المتسارعة.
 
عند الكتابة عن لبنان وأزماته، هناك ضرورة للفصل بين نظامه السياسي القائم، ولبنان المجتمع والثقافة والتاريخ، حيث إن النظام السياسي القائم نقطة سوداء على ما يميز لبنان والآداة الهدامة لتاريخه لانه المصدر الاساس لولادة الازمات.  
 
انطلاقاً من هذه  اللمحة فالحكومة التي عقدت جلستها الاولى مع تأكيدات، من رئيسها حسان دياب ووزرائها الذين مارسوا الاطناب في التصريحات امام وسائل الإعلام على أن حكومتهم ستذهب الى العمل مباشرة دون إبطاء لمواجهة ما يتعرض له لبنان من أزمات، وأسرع بعضهم في إطلاق الوعود المختلفة خلال النهار، ليستدركوا مساءً أن الأمور أكبر بكثير من  الاطناب والمسألة ليست مجرّد خطط وأفكار يمكن أن تُطرح؛ إنما أصعب مما يتصوّره أحد خارج نطاق المسؤولية المباشرة.
في هذا المجال كان لافتًا أمام الجميع حجم المسؤولية  المطروحة على عاتق هذه الحكومة الامر الذي بين وبوضوح عمق الازمة . 
 
والاكثر من ذلك البحث عن كيفية تطبيق الخطوات العملية الاساسية والصرورية ، جداً لوقف المسار الإنحداري في الانزلاق نحو الهاوية وذلك قبل البدء بالتفكير في كيفية استعادة عافية لبنان والتي يمكن إيجازها حسب رأي بعض خبراء الاقتصاد  بالعمل على تأمين الأموال الواجبة لتسديد الاستحقاقات المالية المقبلة على لبنان وأولها في شهر آذار.
معالجة سعر صرف الدولار. 
معالجة مسألة فتح الاعتمادات المالية اللازمة لمتابعة استيراد المواد الأساسية من الخارج على اختلافها.
الشروع بتنفيذ الإصلاحات التي يطلبها سيدر كما الإصلاحات الأخرى التي أقرّتها الحكومة السابقة والتي لم تُنفّذها بسبب استقالتها.
تطبيق ما يمكن من خطة ماكينزي التي دفعت لأجلها الدولة اللبنانية مبالغ كبيرة ولم تستفد من نتائجها أو اقتراحاتها حتى الساعة.
 
وأمام هذه الخطوات الضرورية الأساسية المطلوبة بالمرحلة الأولى من الحكومة تتجه الأنظار إلى كيفية مقاربة الحكومة والوزراء لمسألة البيان الوزاري وما سيتضمنه من وعود في الشق الاقتصادي الاجتماعي بصرف النظر عن الإطناب الكلامي والخطاب اللغوي الانشائي المتعلّق بالأمور السياسية والتي لا تسمن ولا تغني عن جوع.
 
في مقابل هذه الوقائع بدأت ملامح معارضة تتشكل في البلد تتوزع بين القوى السياسية التي لم تشارك في الحكومة بالاضافة الى الحراك الشعبي المستمر بصرف النظر عن حالات العنف والشغب التي تحصل يومياً، وهذا الامر سيشكل ضغطًا اضافيًا على الحكومة لمتابعة مهامها بشكل دقيق بالاضافة الى الضغط القائم نتيجة الازمة الحالية.
 
الا ان ما بات واضحاً ان مرحلة جديدة بدأت ومعها سيشهد لبنان الكثير من المتغيّرات والتحوّلات على اكثر من صعيد، لا سيما في ظل التطورات الإقليمية والدولية المتسارعة والتي ترخي بتداعياتها على الداخل اللبناني بطبيعة الحال، فهل ستقي لعبة الموالاة والمعارضة لبنان من الانحراف الى لعبة المحاور ام انها ستدفعه أكثر للانخراط فيها.
 
وعليه فأن حكومة دياب امام امتحان دولي وعلى ضوء نتائج هذا الامتحان يبنى على الشئ مقتضاه وبداية أتى التعليق الأميركي الأوّل على الحكومة اللبنانية الجديدة بالأمس على لسان وزير الخارجية مايك بومبيو مستهلاً بشبه كراسة الامتحان قبل اتخاذ الموقف. فهل ممكن اعتبار كلامه ايجابي وما هي انعكاسات هذا الموقف على لبنان وحكومته؟
سفير لبنان السابق في واشنطن أنطوان شديد أكّد ، أن موقف بومبيو يعكس رغبة الولايات المتّحدة بالحفاظ على الاستقرار في لبنان لكنها رغبة مشروطة بمحاربة الفساد والاستجابة الى مطالب الشعب اللبناني. وأشار الى أن هذا الموقف الى حدٍ ما هو داعم لمطالب الشارع اللبناني.
 بدوره لم يتأخّر المجتمعُ الدولي في تحديد شروطه للتعاون مع حكومة الرئيس حسان دياب القابعة بين مطرقة الرصْد الخارجي الدقيق لأدائها الإصلاحي والسياسي وسندان بركان الغضب الشعبي في الداخل والذي يُنْذِر بـ تسونامي حارِق. 
 
وبعد أقلّ من 48 ساعة على ولادة الحكومة العشرينية، تَبَلْوَرَتْ ملامحُ فترة مراقبةٍ دوليةٍ لخريطة الطريق التي ستعتمدها على مساريْن متوازييْن مطلوبيْن لمدّ حبْل النجاة للبنان من الأزمة المالية الاقتصادية الأخطر في تاريخه  الأول داخلي وقوامه رزمة الإصلاحات البنيويةالموعودة منذ نحو عاميْن والتي اصطدم إنجازُها بـ شبكة المَصالح السياسية  الحزبية  الطائفية.
 والثاني التموْضع السياسي على المستوى الخارجي.
 
وارتسم موقف المجتمع الدولي من حكومة اللون الواحد، في سلسلة اللقاءات التي عقدها دياب مع عدد من السفراء الغربيين. 
في حين، أكد مصدر دبلوماسي أن أكثر من دولة عربية رفضت زيارات رسمية، كان يود أن يقوم بها دياب لحشد دعم مالي للبنان فور نيل الحكومة الثقة في المجلس النيابي، وقد أُبلغ دياب برغبة هذه الدول في تأجيل الزيارات إلى مرحلة لاحقة.
تواجه حكومة الرئيس حسان دياب جبالاً من المشاكل والتعقيدات ليس فقط على الصعيد الاقتصادي بل على الصعيد السياسي، ويتوقع محللون استقالتها في وقف قريب، ويجوز القول أيضاً ان عهد الرئيس ميشال عون لن يكون مريحاً خصوصاً وان بعض الاطراف قررت فتح معركة عليه خصوصاً بعد قرار الرئيس سعد الحريري برفض تسميته كرئيس مقبل او مفترض للحكومة.
وربما بدأت تشعر القوى التي رشحت الرئيس حسان دياب لتشكيل الحكومة قد تسرعت كثيراً ولم تكن حسابات الحقل على حساب البيدر.
 
يمر لبنان بظروف دقيقة،. ولا يبدو في الافق القريب، سوى المزيد من الكلام والوعود الفضفاضة، ولا أحد يملك دليلاً على جدية المساعي لاخراج البلد وشعبه من دائرة الفوضى والبلبلة والتأزم السياسي والاقتصادي والاجتماعي والمالي والمعيشي وما يصاحبه من توترات وأعمال شغب.